للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)، و " الفاء " للسببية، أي بسبب أن الله تعالى قد أجلهم ولا يمهلهم، اصبر على ما يقولون، أي تحمل ما يقولون، ولا تُلق بالا، ولا تحسبن أن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم لأجل غير بعيد، وهو محقق الوقوع، وما هو محقق الوقوع قريب غير بعيد، ولقد بين الله أن تربية النفس على الصبر تكون بالاتجاه إليه واستذكاره في كل الأوقات، ولذلك قال بعد ذلك: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي نزِّهه.

و" الباء " للدلالة على مصاحبة الحمد للتنزيه، أي نزه ربك عن أن يتركهم، حامدا ربك على أنه أعطاك القوة وهو لهم قاهر، وتفاءل ولا تتشاءم، واعلم أن الله معك غير متخلٍّ عنك.

والتسبيح يراد به التنزيه المطلق المصحوب بالحمد، وذلك مطلوب في كل وقت أم المراد الصلاة، ولعلها كانت قد فرضت وأن تلك الآيات نزلت بعد المعراج، وهو الوقت الذي فرضت فيه الصلوات الخمس.

إن الآية يمكن أن تخرج على الأمرين، فيصح أن يكون المطلوب بها أن يلجأ الرسول بعد الصبر مستعينا به على اطمئنان النفس وتنزيهه وحده، في الصباح قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، ومن آناء الليل وساعاته، وفي أطراف النهار، قبل الزوال وبعده، أي يعمم أوقات الصحو كلها في تنزيه وتقديس، وحمد، وإن ذكر الله يذهب الشدائد، ويعطي النفس قوة، ويمكنها من الصبرِ، ويعطيها الاطمئنان والقرار، ولذلك قال تعالى في ختام النص السامي: (لَعَلَّكَ تَرْضى) راجيا أنت أيها الرسول أن ترضى وتقبل على تبليغ الرسالة قرير العين غير آبه لهم، ولا ملتفت إليهم.

هذا على أن البيان للتسبيح المطلق والحمد والرضا، وقد يراد بالسياق الصلاة، ويكون في النص السامي إشارات إلى أوقاتها كما في قوله تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>