للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويكون معنى قوله (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) المراد بالأول صلاة الصبح وأنه مستحسن الإسفار بها بأن تكون وقد زال الغلس، وما قبل الغروب هو صلاة العصر، (وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ) صلاة العتمة - المغرب والعشاء -، وأطراف النهار تأكيد لصلاة الفجر والمغرب، كقوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى)، فهو تكرار لتأكيد الطلب، وإن تأكيد الطلب في صلاة الفجر؛ لأنها وقت الهدوء واستجمام النفس واستجماع كل القوي الروحية، وصلاة المغرب يضيق وقتها، ولذلك ورد في الأثر: المغرب جوهرة فالتقطوها، والفجر قد يتلهى عن صلاته بالنوم، ولذلك من السنة في أذان الفجر، الدعوة إلى الصلاة خير من النوم.

و (آنَاءِ) جمع إني، ومعناها وقت، أي نزه الله تعالى واحمده في كل أوقات الليل، وهنا بعض ملاحظات بيانية، أولها: قوله تعالى: (ومِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ) قدم الزمان على الفعل وربط بينهما بالفاء، وذلك لمزيد العناية بالوقت فإنه وقت الهدأة والسكون، والاتصال بالله وحده.

الثانية: أن الفاء في قوله: (فَسَبِّح) لتوكيد الطلب ووصل القول، كقوله:

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءَ بمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ. . .)، وقوله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ. . .).

الثالثة: أن قوله تعالى: (لَعَلَّكَ تَرْضَى) الرجاء فيها من النبي - صلى الله عليه وسلم - لَا من الله، فإن الله وحده هو الفعال لما يريد، والعليم الخبير، وإن في هذا النص السامي تعليما لأتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يلجئوا إلى الله عندما تشتد الشديدة.

ولقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حزبه أمر لجأ إلى الصلاة (١) وقد قال تعالى:

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِين)، وإن الذي يذهب بلب اللبيب النظر إلى متع الحياة الدنيا عند غيره.


(١) عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:. كَانَ النَّبِيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أمْرٌ صَلَّى " حزبه: اشتد عليه وأهمه.
والحديث رواه أبو داود: الصلاة - وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم (١١٢٤)، وأحمد: باقي مسند الأنصار (٢٢٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>