للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا) البيت المقصود به هنا هو البيت الحرام، وهو الحرم المكي العامر إلى يوم القيامة، وقد عرفه بأنه الذي ببكة، وبكة هي مكة. وفي لغة العرب قلب اليم باء في أحوال كثيرة من غير انضباط، ولقد جاء في تفسير الزمخشري ما نصه:

(مكة وبكة لغتان فيها نحو قولهم: النبيط والنميط في اسم موضع بالدهناء ونحو: من الاعتقاب أمر راتب، وراتم، وحمى مغمطة ومغبطة. وقيل: مكة البلد، وبكة موضع المسجد، وقيل اشتقاقها من بكَّهُ إذا زحمه؛ لازدحام الناس فيها). وقيل: بك بمعنى دك؛ وذلك لأن الله يدق عنق كل من يرومها بسوء.

وعرف البيت بأنه الذي ببكة للإشارة إلى أن مكة ذاتها هي مثابة الشريعة الباقية وهي شريعة النبيين أجمعين، وهي خالدة إلى يوم القيامة، وهي الإسلام جماع كل الشرائع السماوية؛ وهو الذي وصى الله به إبراهيم وموسى وعيسى.

وما معنى أولية البيت الحرام؛ أهي أوليته من ناحية أنه أول بيت بني للعبادة؟ أم أنه أول بيت بني بإطلاق.

قيل: إنه أول بيت بني في الأرض؛ فقيل إن الملائكة بنته لآدم؛ كما ورد في بعض الآثار؛ وليس ثمة مانع عقلي؛ إن الذي يبدو من خلال الآيات: أنه أول بيت من بيوت العبادة القائمة؛ فهو أسبق من بيت المقدس وجودا؛ وهو أجمع للديانات السماوية من بيت المقدس؛ لأن إبراهيم أبا الأنبياء أصحاب هذه الشرائع الباقية هو الذي بناه؛ بينما بني بيت المقدس في عهد داود وسليمان عليهما السلام (١).


(١) عن أبَي ذَرٍّ [ص:١٤٦] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الحَرَامُ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ «المَسْجِدُ الأَقْصَى» قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ) [رواه البخاري: أحاديث الأنبياء - واتخذ الله إبراهيم خليلا (٣١١٥)، ومسلم: المساجد ومواضع الَصلَاة (٨٠٨)].

<<  <  ج: ص:  >  >>