للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ). الإشارة في الأولى إشارة للذين اتصفوا بكتمان الحق وقت الحاجة إلى بيانه، وأن ذلك الوصف هو سبب الحكم الذي تقرر عليهم، وهو أنهم اشتروا الضلالة بالهدى، أي تركوا الحق، وهو المبيع الثمين لأنه هدى الله تعالى وهو الطريق، وهو الإعلام بالحق المبين تركوه، وباعوه بثمن حقير في ذاته بالنسبة لمقابله، فهو الضلالة، في مقابل الهداية، قد تركوا الطريق المستقيم وهو الهداية التي منحهم الله تعالى بحكم الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، تركوا ذلك الطريق المستقيم إلى متعرجات الشيطان فضلوا في صحراء هذا الوجود ضلالا بعيدا.

وكما استبدلوا بالهداية الضلالة استبدلوا أيضا العذاب بالمغفرة، أي سلكوا الطريق الموصل إلى العذاب وتركوا الطريق الموصل إلى مغفرة الله تعالى، وقد عبر الله تعالى بالعذاب، والظاهر أنه أراد سببه والطريق الموصل إليه، إشارة إلى أنه موصل إليه لَا محالة، والمغفرة هي الثواب والنعيم المقيم الذي أعده الله تعالى للمهتدين، وعبر عن الثواب بالمغفرة، لأن المغفرة دليل الرضا أولا، وللإشارة إلى أن من يعمل صالحا يغفر الله له ما عساه يكون من سيئات؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات ثانيا، ولأن من ينال غفران الله تعالى من المقربين.

وقد أكد الله تعالى دوام عذابهم بقوله تعالت كلماته: (فَمَا أَصْبرَهُمْ عَلَى النَّارِ) أي أنهم يأخذون في أسباب الجحيم، ودخول النار والبقاء، ويقال في مثل من يكون في حالهم ممن يسيرون سيرهم، ما أصبرهم على النار وهو من قبيل التهكم كما يقول القائلون لمن يرتكب أسباب العقوبة من حد أو تعزير: ما أصبرك على السياط تكوي ظهرك كيا، لأنه يتخذ أسبابها، وقد يقال إن الصبر بمعناه اللغوي وهو الحبس كقوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي يُرِيدُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>