للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (٥٣) وقد ذكر موسى الكليم من قدرة الله تعالى ما يتصل بفرعون وأرض مصر، فأرض مصر منبسط هو واد بين جبلين، وعيشها ميسور سهل، وهي أرض زراعية يجري نيلها مبسوطا في ديارها من جنوبها إلى شمالها ممهدة ليست وعرة، فقال بوحي من ربه: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا)، أي ممهدة لينة سهلة ليست وعرة متعثرة بالأحجار، فهي لأهلها الذين يعيشون فكهين في نعيمها، كما يعيش الطفل في مهده، وهذا كناية عن الراحة والاستقرار، ثم بين سبحانه تسهيل الانتقال فيها من مكان إلى مكان في عيشة راضية (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا) والمعنى خطها خطوطا، وأنشأ فيها سبلا، أي طرقا مختلفة مسلوكة، ونظير هذا قوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠)، وقوله تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (٢٠)، وإن مصر كذلك مبسوطة الأرض فيها الطرق والوديان حتى الصحراء نجد فيها وسط كثبان الرمال المسالك الصحراوية والواحات التي تعد كالجنات في وسط الصحارى المجدبة (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)، أي أنزل من السحاب الذي يتكاثف

ليعتريه البَرَد، فينزل ماء مدرارا، كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (٤٣)

وماء النيل ينزل من السماء مطرا مدرارا، ثم يتجمع فيجري من جبال الحبشة حتى يصل إلى مصر لَا يعوقها عنها عائق.

وقوله: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) هو من حديث موسى عن ربه قطعا معرفا له لمن لَا يعرفه، وإن كانت فطرته تناديه معرفة، ولكنه يتجاهلها، ويصم أذنيه عن

<<  <  ج: ص:  >  >>