للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ... (١٦٤)

* * *

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ تعالى، ونعمه على المؤمنين كثيرة، باختيار رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -، والله أعلم حيث يجعل رسالته، فلقد كان حكيما أمينا فيهم من قبل الرسالة، وكان رفيقا بهم لا يعنتهم بعد الرسالة، لانَ لهم، ولم يكن فظا غليظا بهم، وفي هذا النص السامي يبين أن ذات رسالته نعمة، فقال: (لَقَدْ مَنَّ)، أنعم وأعطى ووهب، وأكد عظيم المنة والعطاء باللام، ولقد كانت منته في بعث الرسول من أنفسهم، ومعنى (مِّنْ أَنفُسِهِمْ) يصح تخريجها تخريجين:

الأول: أن يكون من نفس العرب، ومن قومهم، ويكون كلمة المؤمنين خاصة بمؤمني العرب.

والثاني: أن يكون من أنفسهم، أي أنه بشر مثل سائر البشر آتاه الحكم والنبوة، وكان رسول رب العالمين ليرسم لهم طريق الهداية ويكون لهم أسوة حسنة؛ إذ لَا يمكن أن يكون أسوة حسنة لهم إلا إذا كان من جنسهم، وكان بشرا مثلهم، يأكل مما يأكلون ويشرب مما يشربون، وما يأتيه من خير يكون جنسه في طاقة البشر، وإن كان مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه أعلى وأزكى وأوفر خيرا، وقد بين سبحانه وجه النعم في هذا البعث المحمدي فقال:

(يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) التلاوة القراءة المتابعة المرتلة التي يكون بعضها تلو بعض، أي يعقبه في نظام محكم دقيق، والتلاوة في أكثر أحوالها لَا تكون إلا في آيات مقروءة، والآيات تطلق على الآيات الكونية باعتبارها أمارة وشاهدا على قدرة الله تعالى ووحدانيته، وتطلق على الآيات المتلوة باعتبار أن كل آية من كتاب الله تعالى دليل على أنه من عند الله، وظاهر السياق أن الآيات التي تتلى هنا هي الآيات القرآنية، والمعنى في ذلك أن الله سبحانه يلقي على نبيه القرآن الكريم فيتلوه عليهم متحديا العرب أن يأتوا بمثله، وقيل: إن المراد بالآيات. . الكونية، ومعنى تلاوتها تلاوة القرآن المشتمل على أنبائها، وعلى توجيه الأنظار إليها، وإن الظاهر هو الأول، ولا يخلو الرأي الثاني من تكلُّف؛

<<  <  ج: ص:  >  >>