للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ).

هذا بيان الله تعالى للأمة من الأمم إذا بعث فيها نبيها الذي يدعوها إلى الإيمان بالله تعالى وحده، ويدعوها إلى الخير الذي يصلحون به في الدنيا والآخرة، ويقدمون على الله يوم القيامة بالعمل الصالح، فيجزيهم جزاءه وفقا لما قدموا، فيقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ) أي في مجتمع أمة من الأمم (مِّن نَبِيٍّ) من هنا بيانية، والمعنى وما أرسلنا في مجتمع كبير، فالقرية المجتمع الكبير الذي يقرى إليه الناس (إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَاسَاءِ وَالضَّرَّاءِ) أي أن الله تعالى لا يرسل نبيا مؤيدا بالمعجزات، إلا يوطن النفوس به - عليه السلام - ببيان قدرة الله تعالى، فيأخذها (بِالْبَأسَاءِ) وهي شدائد الفقر والحرمان والتعرض للطغيان من الحكام، (وَالضرَّاءِ)، وهي ما يصيب الأبدان من مرض شديد مختلف الأنواع، لا قبل لهم به، وإذا مسهم الضر دعوا الله تعالى، وضرعوا إليه، كما نزل بأهل مكة عند مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الكون الإنساني.

وأخْذ الله تعالى للقرى التي بعث فيها النبي بذلك؛ لأن الشدة تُولِّد في قلب من عنده استعداد للإيمان الاتجاه إلى طلب النجاة، فتخضع النفس للحق إذا دعيت إليه، فإنه حيث الضعف أو الشعور به تنبع منابع الإيمان، وتتجه النفوس إلى الديان، وإن الله تعالى يختبرهم بذلك رجاء أن يضرعوا ويخضعوا، ويذلوا له - سبحانه وتعالى - وحده، فإنه وحده الخالق لكل شيء الذي يلجأ إليه عند هذه الشدائد.

<<  <  ج: ص:  >  >>