للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ... (٩٢)

* * *

الخطاب عام وقد صدر بتأكيد النفي المنصب على نيل البر، والمعنى لن تنالوا وصف الأبرار الأخيار حتى تنفقوا مما تحبون، وفي هذه الآية حث على الإنفاق، وعلى القيام بالأعمال التي تكون فيها مخالفة للهوى ومنازعات النفس، وقد تكلم المفسرون في معنى البر المذكور في هذه الآية، فقال بعضهم: إن المراد الاتصاف به كقوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَن توَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ. . .)، إلى آخره، فالمعنى لن تنالوا وصف البر الذي هو خاصة الأخيار إلا بأن تنفقوا مما تحبون، وهذا ما نختاره، وهو الأوضح مما عداه، ولكن لم يذكر على هذا جزاء الآخرة. ونقول إن ذلك حكم من الله تعالى بأن الذين يفعلون ذلك من الأبرار.

ولن ينال ذلك الوصف إلا المنفقون، وقد كنى بهذا اللفظ (مما تحبون) عن المال، لأن جميع الناس يحبون المال. وقيل: معناه ما تحبون من نفائس أموالكم، دون أرذلها كقوله تعالى: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ. . .). وقد روي أنَّ عليا رضي الله عنه اشترى ثوبا فأعجبه فتصدق به وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنة، ومن أحب شيئا فجعله لله، قال تعالى يوم القيامة قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف وأنا أكافئك اليوم بالجنة " (١).

ثم اعلموا أن الله يعلم كل ما تفعلون، ويعلم ما في نياتكم، ثم هو الذي يجازيكم على هذه الأعمال والنيات، فاختاروا لأنفسكم، إذا كنتم ترجون أحسن ما عند الله، فقدموا لأنفسكم أحسن ما عندكم، نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحب ويرضي

* * *


(١) رواه البخاري: الزكاة - الزكاة على الأقارب (١٣٦٨)، ومسلم: الزكاة - فضل النفقة والصدقة على الأقربين (١٦٦٤). .

<<  <  ج: ص:  >  >>