وكلمة (سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) تستعمل حال الندم، ومثله أسقط في أيديهم، والأفضل سُقِط، وخطأ بعضهم أسقط، وهو مردود لكونه استعمال قرآني، قيل: إن العرب لم تسبق إليه، ومعناه اللفظي سقط تفكيرهم من رءوسهم إلى أيديهم، وصار فيها وذلك أن من يقع في خطأ يندم عليه يضرب كف على كف، وأحيانا يعض على بنانه، وهذا الكلام يدل على أن في الكلام كناية عن الندم لأنه ذكر اللازم الحسي له.
وقد سجل الله تعالى ندمهم بذكر سببه، فقال:(وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلوا)، أي علموا علم اليقين أنهم ضلوا ووقعوا في الضلال، فقلدوا أتباع فرعون فيما صنعوا، وأحسوا بأنه لَا منجاة لهم إلا أن يرجعوا إلى ربهم، ويتضرعوا إليه، وقالوا:(لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا) رجوا الرحمة، والرحمة تكون بالغفران، فالغفران هو الرحمة وهي لازمة، وذكر الشيء ولازمه.
وجواب القسم (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) والخسران خسران تفكيرهم بسبب ضلالهم، وخسران الحق، والخسران المبين بشركهم، ولا منجاة من ذلك إلا برحمته وغفرانه.
وهذا الندم أكان بعد حضور موسى من الميقات ولومهم وتأنيبهم، أم كان بعده؛ والظاهر هو الثاني. وقد قال في حال موسى - عليه السلام - عندما رجع:(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ... (١٥٠)