للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨)

الآيتان متصلتان، وهذه الآية تفريع على الآية السابقة، فالسابقة فرض فيها الإذن بعد الاستئناس والسلام، وإن كان فيها أناس استئذنوا، واستئنسوا، وسلموا عليهم، وهذه الآية مفروضة في جزء منها في حال إذا لم يجدوا أحدا، والجزء الثاني مفروض فيه إذا لم يكن إذن، بل كان الأمر بالمنع والرجوع.

فأما الجزء الأول فقد قال تعالى: (فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) فاصبروا حتى يوجد أو يحضر من يأذن لكم من أهل البيت، وقد يقال: إنه لَا أحد يخشى الاطلاع على المستور من عوراته، وقد أجاب الزمخشري على ذلك الاعتراض بقوله: " ذلك أن الاستئذان لم يشرع لئلا يطلع الدامر على عورة، ولا تسبق عينه إلى ما لَا يحل النظر إليه فقط، إنما شرع لئلا يقف على الأحوال التي يطويها الناس في العادة عن غيرهم، ويتحفظون من اطلاع أحد عليها، ولأنه تصرف في ملك غيرك فلابد أن يكون برضاه، وإلا أشبه الغصب والتغلب " (١).

الفرض الأخير هو حال الرجوع، بين سبحانه حال الإذن، وحال خلو البيت وبقيت حال الرد، وطلب الرجوع وعدم الدخول، وهذا كما ترى متشعب عن الاستئناس، فقال تعالى: (وَإِن قِيلَ لَكُئم ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكمْ) والفاء واقعة في جواب الشرط، و " أزكى " معناها أطهر وأكرم؛ لأنها لَا تصح اللجاجة، فإن ذلك يكون خسة بكم، ولا يليق بكرامة الكريم.

ويقول الزمخشري عند قوله تعالى: (وَإِن قِيلَ لَكمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) ألا تلحوا في إطلاق الإذن ولا تلحوا في تسهيل الحجاب ولا تقفوا على الأبواب منتظرين؛


(١) الكشاف للزمخشري: ٣/ ٥٩. والدامر في قوله: لئلا يطلع الدامر، أي الهالك الذي لَا خير فيه. لسان العرب (دمر).

<<  <  ج: ص:  >  >>