للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ... (٢٧٠)

* * *

النفقة هي العطاء العاجل

في باب من أبواب البر، فهي عطاء منجز، توجبه حاجة من يعطيه، أو حاجة الجماعة التي يعيش فيها، والضرورات الاجتماعية، أو السياسية أو العسكرية لها. أما النَّذْر فهو التزام طاعة من الطاعات، أو عطاء في بر. ويقول الراغب: النَّذْر أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر، يقال نذرت قال تعالى: (إِنِي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ ايوْمَ إِنسِيًّا)، وأصل مادة نذر من الخوف؛ لأن الإنسان إنما يلتزم ما يلتزمه على نفسه مما ليس بلازم عليه خوف التقصير وخوف أن تضعف الإرادة البشرية في القيام بذلك الفعل الذي ليس واجبًا في أصله. والصيغة المشهورة للنذر أن يقول: لله عليَّ نذر أو نذرت لله كذا، فهي في معناها تتضمن العهد الموثق لله.

ومعنى الجملة السامية: ما أنفقتم من نفقة عاجلة وأديتموها، أو التزمتم بنفقة قابلة وعاهدتم الله على القيام بها، فإن الله تعالى سبحانه وتعالى يعلمه، فيعلم الباعث عليه أقصد ابتغاء مرضاة الله أم قصد به رئاء الناس، أو كان من الطيِّب الذي يقبله الله، أم تيمم الخبيث فلم يختر لله سواه، وأتبعه مَنًّا وأذى، وجرحًا للكرامة وعزة النفس، أم كان بطيب النفس، ومن غير ذل ولا امتهان؛ ثم يعلم سبحانه أَوَفَّى الناذر بنذره على الوجه الأكمل أم نكث عهده، وأبطل ذمته؟ يعلم الله سبحانه وتعالى ذلك كله، يعلمه علم القادر القائم على كل شيء، الذي يجازي المحسن إحسانًا والمسيء إساءة؛ فقوله تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) مع إيجازها أفادت فوائد جمة: أفادت الوعد والوعيد، أفادت التبشير بالثواب والنعيم المقيم ورضوان الله تعالى، وأفادت الإنذار بالعقاب، لمن فسد قلبه، فلم يقصد بعطائه وجه الله تعالى، ولمن نقض عهده، وأخلَّ بذمته؛ ثم أفادت مع ذلك تربية المهابة في قلب المؤمن؛ فإن المؤمن إذا ذكر أن الله تعالى يعلم عمله، أحس برقابته في خلجات نفسه، وخصوصًا أن الجملة السامية: (فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) صُدِّرت بما يؤكدها. وذكر العليم الحكيم بلفظ الجلالة الدال على الاستحقاق الكامل للألوهية، وانفراده سبحانه وتعالى بها، فإن ذلك كله من شأنه أن يجعل المؤمن يحس بمقام الألوهية،

<<  <  ج: ص:  >  >>