للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويشعر بحق العبودية، فتخلص نيته، ويخلص قلبه من كل الشوائب والأغراض الدنيوية.

(وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ): ختم الله سبحانه وتعالى الآية الكريمة بهذه الجملة السامية التي تفيد النفي المطلق لنصرة الظالمين، ومعناها ليس للظالمين أي نصير في الدنيا والآخرة، وهي تؤكد الوعيد في الجملة السابقة، وتشير إلى أن الامتناع عن الإعطاء ظلم، وليس للظالم نصير؛ وأن الامتناع عن الإعطاء حقيقة هو ظلم، فهو ظلم للجماعة، لأنه منع صاحب الحق من حقه؛ لأن الله سبحانه وتعالى وهو أحكم الحاكمين حكم بأن للفقير في مال الغني حقا معلوما، ولا ظلم أفحش من أن يمنع صاحب الحق من حقه، ولأن الممتنع عن العطاء يظلم نفسه؛ لأنه يعرضها للهوان في الدنيا، ولعذاب الله في الآخرة، وهو يظلم نفسه وجماعته؛ إذ إن الجماعة التي يشح فيها الغنيُّ بالعطاء لإمداد الجند المدافع، ولإمداد الفقير وجعله يعيش عيشة آدمية محترمة - يبتليها الله تعالى ببلاء واقع ماله من دافع، لأن ذلك الفقير إذا جوَّعته كان أداة هدم للجماعة، فيكون الشُّذَّاب (١) الذين يبدلون أمن الجماعة خوفًا، ويكون المنحرفون في تفكيرهم ومنازعهم الذين يهدمون بناء الجماعة، ويقوضون كل قائم.

ونفي الأنصار يشمل النفي في الدنيا والآخرة كما قررنا؛ أما نفيه في الآخرة فمعلوم ظاهر ثابت، ونفيه في الآخرة يدركه البصير النافذ البصيرة؛ فإن البخلاء بأموالهم عن مواطن الخير مبَغضُون إلى الناس، لَا يرضى عنهم أحد، ولا يناصرهم أحد بالقول أو العمل، وأحب الناس إلى الناس الباذل المعطي، وأبغضهم إليهم الشحيح المانع.

والآية الكريمة تشير إلى أن الوفاء بالنذر مطلوب في العطاء؛ فإنه اقترن بالإنفاق المطلوب الذي حث عليه القرآن الكريم في الآيات السابقة، فكذلك ما اقترن به.


(١) الشُّذَّاب: من الشذَبُ، محركةً: قِطَعُ الشَّجَرِ، أو قِشْرُهُ، و - الشَّيءَ: قَطَعَهُ. والتَشْذِيبُ: الطَّرْدُ، والتَّفريقُ والتَّمزيقُ في المال [لسان العرب: الثين - شذب].

<<  <  ج: ص:  >  >>