للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنه من الحق علينا قبل أن ننتقل إلى تفسير الآية الآتية نتكلم في النذر:

إن العلماء يقسمون النذر إلى قسمين: نذر مطلق هو التزام بطاعة غير معلق على زمن، ولم يكن المقصود منه الحض على فعل أو المنع من فعل، أو الامتناع عن فعل، أو توثيق فعل، كأن يقول القائل: لله عَلَيَّ نذر أن أعتكف في العشر الأخيرة من رمضان، أو: لله عَلَيَّ نذر أن أتصدق على الفقراء بعشرة جنيهات. فإن النذر في هذه الحال يجب الوفاء به ما دام طاعة باتفاق الفقهاء ويقسِّم الفخر الرازي في تفسيره الكبير هذا النذر إلى قسمين: مفسَّر وغير مفسَّر، فالمفسر أن يقول مثلا: لله عَلَيَّ حجٌّ، وهذا يلزم الوفاء به، وغير المفسَّر أن يقول: لله عَلَيَّ نذر، من غير أن يسمى النذر ويبينه فيلزمه فيه كفارة يمين لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " من نذر نذرًا وسمى فعليه ما سمى، ومن نذر نذرًا ولم يسم فعليه كفارة يمين " (١).

وهذا مذهب الشافعي، ويلحق بالنذر غير المفسر في المذهب الشافعي النذر الذي يكون في معناه تحريض على فعل، أو الامتناع من فعل، كأن يقول: نذرت لله ألا أفعل كذا ثم يفعله، فإنه يجب فيه كفارة يمين؛ لأنه في معنى اليمين.

ولقد روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من نذر نذرًا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لَا يطيقه فكفارته كفارة يمين " (٢).

هذا إذا كان النذر التزامًا مجردًا من غير تعليق أو تقييد بمكان؛ فقد اتفق الفقهاء على وجوب الوفاء به ما دام قربة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " (٣). ولقوله تعالى. (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ. . .)، فهو أمر حتمي لازم.


(١) رواه ابن ماجه في الكفارات (٢١١٨) عن عقبة بن عامر الجهني، وعنه رواه الترمذي: النذور والأيمان (١٤٤٨).
(٢) رواه أبو داود: الأيمان والنذور - من نذر نذرا لَا يطيقه (٢٨٨٧) عن ابن عباس بهذا اللفظ، وفي آخره: " وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أطَاقَهُ فَلْيَف به ".
(٣) رواه البخاري: الأيمان والَنذَوَر - النذر في الطاعة (٦٢٠٢) عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

<<  <  ج: ص:  >  >>