للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما إذا علق النذر على أمر سيقع في المستقبل كأن يقول: إن شفى الله مريضي مما ألم به فلله عليَّ نذر أن أتصدق بمائة جنيه مثلا، فقد اختلف الفقهاء فيه؛ فقال الحنفية فيجب الوفاء بشروط ثلاثة: ألا يكون معصية وألا يكون واجبًا، وأن يكون قربة بحيث يكون من جنسه واجب؛ فنذر المعصية باطل كما قدمنا، وكنص الحديث الذي ذكرناه؛ ونذر الواجب لَا جدوى فيه؛ لأنه واجب من تلقاء نفسه؛ أما نذر القُرَب التي من جنسها واجبات كالصدقات والصيام والحج فإن الوفاء به واجب، وهذا هو مذهب المالكية إلا أنه إذا كان النذر بجميع المال وجب الثلث فقط عندهم، إن لم يكن المال معينًا بالتعيين. والشافعي في قول اعتبر النذر المعلق على الشرط كاليمين تجب به كفارة، كأن يقول: إن شربتُ الدخان وجب عَلَيَّ كذا صدقة، فشرب، فإنه تجب كفارة يمين.

ومذهب الإمام أحمد كما حققه العلامة ابن تيمية أن النذر المعلق على شرط إن قصد به التعليق حقيقة كـ: " إن جاء رمضان فلله عليَّ نذر أن أعتكف العشرة الأخيرة منه "، فهذا يجب الوفاء به، وإن كان المقصود به الحض على فعل أو الامتناع عن فعل، فإنه لَا يجب الوفاء به ولكن تجب كفارة يمين؛ لأنه حلف تجب فيه الكفارة.

وقد اتفق العلماء على عدم وجوب الوفاء في نذر المعصية، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " من نذر أن يعصي الله فلا يعصه " (١). وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لَا يجب شيء؛ ولكن قال أحمد: تجب كفارة يمين، للحديث الذي رواه أبو داود ونقلناه آنفًا؛ ففيه التصريح بأن نذر المعصية تجب فيه الكفارة ولأن منطق الحنابلة أن النذر الذي يكون فيه الحض على فعل أو منع فعل هو من قبيل اليمين، واليمين في المعاصي حكمها أنه يجب الحنث فيها، وتجب كفارة اليمين، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " من حلف على شيء فرأى خيرًا منه فليحنث وليكفر " (٢).


(١) انظر السابق.
(٢) روى مسلم في صحيحه: الأيمان - ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها (٣١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>