للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

هذه أوصاف ثلاثة لأولئك المقربين الصديقين:

أولها - أنهم آمنوا، والإيمان تصديق للحق، وإذعان لحكمه، وتنفيذ لأوامره، وإخلاص في القلب، ونور في البصيرة، وذلك وحده كاف للجزأء إن قام المؤمن به، وحقق لوازمه وخواصه، وصار شعاره ومظهره، وسريرته وحقيقته.

وثانيها - الهجرة، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا) وكرر الوصول هنا للإشارة إلى أن الهجرة وحدها عمل زائد على الإيمان يستحق وحده الثواب لأنه ترك للمال والأهل، وطلب للعزة وإعزاز الدين، بدل البقاء في الذلة والرضا بحياة المستضعفين وقد أمر الله بالهجرة عند الاستضعاف، ونهى عن البقاء تحت نير غير المسلمين؛ ولذا قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٩٧) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (٩٨) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (٩٩) وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (١٠٠).

وثالثها - الجهاد في سبيل الله تعالى، وهو باب الجنة، وهو رهبانية هذه الأمة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " رهبانية هذه الأمة في الجهاد في سبيل الله عز وجل " (١).

ولقد بين سبحانه جزاءهم فقال: (أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ) أي إن أولئك المتصفين بهذه الصفات ليس من شأنهم أن يخافوا العذاب لخطأ غير مقصود في الجهاد، بل إنهم يرجون الرحمة والثواب، ومن رجا طلب، ومن خاف هرب،


(١) رواه أحمد (١٣٣٠٦) في مسنده.

<<  <  ج: ص:  >  >>