للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦)

هذا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره اللَّه تعالى بأن يقوله بعد أن قص ولادة عيسى - عليه السلام - وامتراء الناس في أمره، وقد ادعوا بنوته وألوهيته، فأمر نبيه أن يقرر الحق في العبادة فقال، (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ)، أي إن اللَّه تعالى خالقي وخالقكم، والقائم على شئوني وشئونكم، وإن ذلك يقتضي أن نعبده، ولذا بعد أن قرر الربوبية أمر بالعبودية له سبحانه وتعالى وحده، لأن الألوهية تلازم الربوبية، وفي ذلك إبطال لأوهام المشركين الذين يقرون للَّه تعالى بالخلق والربوبية، وأنه رب السماوات والأرض وما بينهما، ومن فيهما، وما فيهما من خلقه، ومع ذلك في العبادة يشركون به الأوثان ويتخذونها أندادا له سبحانه وتعالى عما يشركون، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد.

و" الفاء " في قوله تعالى: (فَاعْبُدُوهُ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فالعبادة مترتبة على الإقرار بالربوبية، لأنه الحق، وإن ذلك هو الصراط المستقيم، ولذا قال تعالى: (هَذَا صِرَاطٌ مسْتَقِيمٌ) الإشارة إلى عبادة اللَّه وحده وتنزهه عن أن يتخذ ولدا، وأنه لَا يليق بذاته المتصفة بالكمال، أي هذا وحده هو الصراط، أي الطريق الموصل إلى الحق، والخط المستقيم هو أقرب الخطوط للحق، ولذا قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ. . .).

وهنا قراءتان في قوله تعالى: (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) قراءة بكسر (إِنَّ) وقراءة أخرى بفتحها (١)، وعلى القراءة الأولى كان ما قلناه في معاني


(١) قراءة كسر همزة (إن): ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف، وروح، وقرأ الباقون بفتح الهمزة.
غاية الاختصار - ٢/ ٥٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>