للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... (١٨٥)

* * *

ذكر سبحانه وتعالى هذه الكلية الثابتة لبيان الجمع الحاشد يوم القيامة الذي يتقدم فيه كل امرئٍ بما قدم من عمل، إن خيرا فجزاؤه خير، وإن شرا فجزاؤه شر، وهنا إشارات بيانية رائعة ككل إشارات القرآن؛ وذلك لأنه عبر عن إقبال الموت بذوقه، للإشارة إلى أنه عند ذوق الموت سيكون المذاق إما مرا حنظلا يومئ إلى ما يتبعه من عقاب، وإما أن يكون المذاق حلوا هنيئا، فيكون إيماء إلى ما يكون يوم القيامة من نعيم مقيم، والتعبير عن حلول الأجل في الدنيا بذوق الموت فيه استعارة بتشبيه الموت عند إقباله الرهيب أو الرغيب بالأمر الذي يذاق فيؤلم، أو يذاق فيسعد.

وهنا إشارة بيانية أخرى رائعة هي أنه أسند ذوق الموت إلى النفس، ولم يسنده إلى الشخص؛ لأن النفس روح، والشخص جزءان جسم ونفس، وإن النفس تبقى بعد مفارقة الجسم، فهي التي تذوق الموت، كما ذاقت الحياة الدنيا، فإسناد الذوق إليها لأنها باقية، وقد تغيرت حياتها من حال إلى حال، فبعد أن كانت في غلاف من جسم من الطين، قد تجردت أبدا منه حتى تلتقي به يوم البعث والنشور.

وبعد أن تذوق النفس طعم تلك النقلة من متاع الدنيا الزائل إلى الآخرِة، يكون الجزاء من نعيم أو جحيم، ولذا قال سبحانه: (وَإِنَّمَا تُوَفَوْنَ أُجورَكمْ يوْمَ الْقِيَامَةِ).

والأجر هو العطاء خيرا أو شرا، والقيامة هي قيام الساعة لرب العالمين، وتقويم أعمالهم من خير وشر بالميزان الدقيق، والحساب الذي لَا يترك صغيرة ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>