للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (٦٧)

المنسك مكان النسك وهو العبادة، أو مصدر ميمي، والمراد العبادة أيضا، ويقرر أكثر المفسرين أن النسك هو شرائع النبيين، كقوله تعالى: (. . . لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا. . .)، فاللَّه تعالى جعل لكل أمة شريعة جاء بها نبيها، وجاءت شريعة مهيمنة على كل الشرائع، وخاتمة لها، وناسخة لما يخالفها، ولو كان موسى بن عمران حيا ما وسعه إلا اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن شريعته هي خاتمة الشرائع الإلهية، وقوله تعالى: (هُمْ نَاسِكُوهُ)، أي العابدون اللَّه تعالى على منهاجه، والضمير يعود على النسك، وناسكوه كما أشرنا: سالكون طريق العبادة الذي سن فيه.

(فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ)، " الفاء " للإفصاح، أي إذا كان لكل أمة دين، فلا ينازعنك في الأمر، و " لا " ناهية، والنهي لمن يحتمل أن يكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومعناه النهي عن تمكينهم من منازعته، وردهم في هذه المنازعة والمجادلة، وربما يؤيد هذا قوله تعالى من بعد في الآية التالية: (وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ)، فمضمون النهي عن عدم الالتفات إليهم، والسير على منهاجه، ولذا قال سبحانه بعد ذلك: (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ)، أي امض في طريقك داعيا إلى ربك العليم بكل عمل، وبكل قول حقا أو افتراء، وهذا النهي كقوله تعالى: (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ. . .)، ثم أكد سبحانه مضيه وعدم التفاته إليهم بقوله: (إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيم)، أي وإنك في نسكك وشريعته لمستمكن من الهداية المستقيمة تمكين من يعلو على الهداية، فالتعبير بقوله تعالى: (لَعَلَى هُدًى) أنك متمكن من هدايتك تمكن من كان فوق الهداية مستمكنا منها كالقائم عليها والجالس عليها ووصف سبحانه الهدى الذي استمكن منه - صلى الله عليه وسلم - واقتعده بالاستقامة، والاستقامة وصف للحق، ولكل هداية.

<<  <  ج: ص:  >  >>