للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أى أن أكثرهم غلبت عليهم خيالات وأوهام شاعت في جمعهم وانتشرت بينهم واتبعوها جميعا، فالأفكار الفاسدة الضالة تنبعث من بعض الجماعة وتكثر فيها وتشيع في آحادها فتصير فكرا عاما مضللا، وعلى العقلاء أن يصدوا هذه الأفكار الباطلة في أول نشوئها حتى لَا تصير هي الغالبة، وبعض المفسرين يقول: إن الأكثر يراد به الجميع، ونحن نقول على هذا المعنى، ويقول البيضاوي: " إن أكثرهم ما يتبع في اعتقادهم إلا ظنا مستندا إلى خيالات فارغة فاسدة ".

الناس صنفان أحدهما: له عقل مستقيم يدرك، والثاني: غلبت وسيطرت عليه الخيالات، فأما الذي آتاه اللَّه تعالى عقلًا يدرك فإنه يفكر في خلق السماوات والأرض وما بينهما ويأخذ دليلا على وجود خالقهما من الأثر وقوة المؤثر، ثم يجيء الرسل فيهتدي بهديهم ويتبع ما يدعون إليه، وهو الذي ينطبق عليه الوصف القرآني الكريم:

(. . . رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَة ثمَّ هَدَى)، فالهداية ثمرة العلم بالخلق. والصنف الثاني يقع في أخيلة وهمية تسيطر عليه فلا يأخذ الهداية من الخلق والتكوين، بل تسيطر عليه الأوهام؛ فيتوهم في حجر قوة، ويتوهم في شخص ربوبية، ولو نادى ليلا نهارًا بأنه عبد من عباد اللَّه لَا يستنكف عن عبادة اللَّه ولا يستكبر، وهؤلاء يظنون القوة في غير قوى، والقدرة في عاجز، وتكون عقولهم دائما حائرة مضطربة، ولا يكون منهم اعتقاد ولا يقين قط وكلها ظنون يتصورونها اعتقادا، ولسان حالهم يقول: (. . . إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ).

هذا بيان لعلمهم الذي يتجاوز الظن ولا يزيد عليه، ويخيل لهم أنهم يعتقدون ثم يتعصبون له ويعاندون أهل الحق به.

وقد بين سبحانه وتعالى أن الاعتقاد لَا يبنى على ظنٍ بل يجب أن يكون على يقين، ولذا قال تعالى: (إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) أي لَا يغني بدل

<<  <  ج: ص:  >  >>