(فَإِن طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَه. . .)، فدل هذا على أن المراد حقيقة التثنية، لأن بعد الثانية الثالثة.
ولذلك نختار التخريج الثاني، وهو أن الطلاق في قوله تعالى:(الطَّلاقُ مَرَّتَانِ) أل فيه للعهد الذكري، أي الطلاق المشار إليه في قوله تعالى:(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ. . .)، فالطلاق المذكور هو الذي يكون فيه للزوج حق مراجعة زوجته فيه " فالسياق يكون لبيان الطلاق الذي تبقى معه عصمة الزوجية، ولذلك قال بعد ذلك:(فَإِن طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ... )، فهو ذكر حكم المرتين، ثم ذكر من بعد ذلك حكم الثالثة، وتكون التثنية على هذا التخريج المستقيم من كل الوجوه على حقيقتها لَا لمجرد التكرار.
ومهما يكن السياق، فإن قوله تعالى:(الطَّلاقُ مَرَّتَانِ)، يستفاد منه أن الطلاق لَا يقع العدد به مرسلا دفعة بل هو دفعات ومرات، وكل واحدة منها يتخللها رجعة أو عقد جديد، وذلك ليتحقق المقصد الحكيم الذي قصد إليه الشارع من عدد الطلاق، وإعطاء فرصة المراجعة بعد كل طلاق نحو ثلاثة أشهر، ثم تكرار تلك الفرصة، حتى إذا كانت الثالثة فصم ذلك العقد الذي أصبح بقاؤه شرًا، (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ. . .)، وأصبح من الضروري أن يكون ثمة تجربة قاسية، عساها تصلح من قلب الناشز منهما.
وذلك ما فهمه السلف الصالح، فما كان الطلاق يقع دفعة واحدة، بل كان يقع دفعات، لكيلا يقطع الرجل السبيل على نفسه، ولكيلا يتعدى حدود الله، وكما قال الله تعالى في هذا المقام:(وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)، فلعل الله في مدة العدة أو بعدها إذا طلق واحدة، أو اثنتين على دفعتين، أن يحدث أمرًا بإحلال المودة محل العداوة، والرحمة محل البغضاء، فتستأنف حياة زوجية هنيئة سعيدة.