الضمير يعود إلى أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، وقد عبر عنهم في الاسم الظاهر بأهل الكتاب للإشارة إلى أن لهم فضل علم يهديهم إلى الحق إن أخلصوا، وطلبوه صفوا غير مكدر بشيء من الأهواء والأحقاد وحسد الناس على ما آتاهم الله تعالى من فضله لو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل بإدراك ما فيهما من غير عوج في التفكير وئنفيذ ما اشتملا عليه من أوامر ونواه، ولم يحرفوا فيهما الكلم عن مواضعه، وأقاموا ما أنزل إليهم من ربهم، وهو القرآن الكريم لو فعلوا ذلك وقاموا بما خوطبوا به حق القيام لأتاهم الرزق من كل ناحية من السماء ومن الأرض، وقيل المراد برزق السماء ما يفيض من غيث وما في الأرض هو الزروع والثمار مما تخرجه الأرض، وما يستنبط من معادن وفلزات.
وإن خير الأقوال أن يقال: إن المراد أن بسطه بالرزق يأتيهم من كل ما يحيط بهم، ويعمهم الخير، كما يعبر عن شدة العذاب بأنه يأتيهم من فوقهم ومن أسفل منهم، كما قال تعالى:(قُل هُوَ الْقَادرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فوْقكُمْ أَوْ مِن ئَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا ويُذِيقَ بَعْفَكُم بَأْسَ بَعْضٍ. . .)، وفى النص الكريم بضع إشارات:
أولها - التعبير عن القرآن بـ " ما أنزل إليكم من ربكم " ففيه إشارة إلى أنهم مخاطبون به، وأنه منزل إليهم مع غيرهم، وليسوا خارجين عن التكليف الذي دعا إليه.
الإشارة الثانية - أن ما جاء في التوراة والإنجيل حقا هو من عند الله تعالى، وأن القرآن مصدق لما جاء قبله.