للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ... (٢٧٩) أي فإن لم تفعلوا وأخذتم ما بقي من الربا فأنتم معاندون لله ولرسوله، وأنتم في حرب معهما، ومن حارب الله فإن الله غالبه، وهو مهزوم لَا محالة، وإن الله سيعاقبه على عظيم ما ارتكب.

وهنا عدة كلمات فيها إشارات بيانية تبين عظيم ما يتعرض له من يعاند الله ورسوله، ويخالف أحكامه التي يقررها الله تعالى لتنظيم المجتمع الإسلامي، وتبين أيضًا عظيم عمل من يحترم أحكام الله تعالى:

أولى هذه الكلمات: إن الله تعالى يقول: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوأ أي لم تتركوا ما بقى من الربا؛ فعبر عن الترك هنا بالفعل، فلم يقل: فإن لم تتركوا، بل قال: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا) وذلك لأن الذين يتركون ما بقي من عقود عقدوها، يقاومون رغباتهم ويقاومون أهواءهم وشهواتهم، فهذه المقاومة، وذلك الكف فعل نفسي جليل يحرِّضهم سبحانه وتعالى عليه، ويدعوهم إليه، فإن فعلوه كان لهم الثواب المقيم والرضا الكريم، وإن لم يفعلوا فقد أعلنوا الحرب على الله ورسوله. والكلمة الثانية: أن الله سبحانه وتعالى يقول للذين لَا يتركون ما حرم الله من ربا (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ) أي فاعلموا بأنكم في حرب؛ وذلك لأن أذن هنا بمعنى علم، وفي قراءة " فآذنوا " بحرب. ويقول الزمخشري في هذه القراءة إن معناها " فأعلموا بها غيركم " وعلى ذلك يكون آذنوا بالحرب معناها الإعلام بها، وأما أذنوا بحرب فمعناها العلم بها؛ ولكن الراغب الأصفهاني يقول: " إن الإذن بالحرب والإيذان بها بمعنى واحد "، ولماذا عبر عن معاندتهم لله وحربهم لشريعته بقوله: (فَأذَنُوا بِحَرْبٍ) ولم يقل فأنتم في حرب؛ للإشارة إلى أن الجهالة توهمهم أنهم ليسوا بخارجين عن إرادة الله تعالى إن طالبوا بأحكام العقود التي عقدوها من قبل، فالله سبحانه وتعالى أعلمهم بأنهم في أخطر مخالفة وأشد معاندة.

والكلمة الثالثة: إنه تعالى قال في الحرب: (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِه) ولم يقل في حرب الله ورسوله، وقد بين السر في ذلك الزمخشري في الكشاف بقوله: " كان هذا أبلغ؛ لأن المعنى فأذنوا بنوع من الحرب عظيم من عند الله

<<  <  ج: ص:  >  >>