للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ورسوله " أي أن في هذا التعبير الكريم تهويلا لشأن هذه الحرب من ناحيتين: ناحية التنكير، فهي حرب هائلة لم يدركوا كنهها، والناحية الثانية ناحية التصريح بإضافتها إلى الله ورسوله، فهي حرب معهما، والنتيجة في هذا مؤكدة محتومة.

وهذه الحرب أهي مجازية، أم حقيقية؟ يبدو بادي الرأي أنها مجازية من حيث إن كل معاندة لله ولرسوله عن عمد وبسبق إصرار، فيها معاندة لأحكامه سبحانه، ومصادمة لأوامره ونواهيه، وكل مصادمة لأوامر الله تعالى ونواهيه نوع من الحرب والمحادة له سبحانه.

ولكن بعض المفسرين يقول: إن ذلك كان إيذانًا فعلًا بالحرب؛ كما حارب أبو بكر أهل الردة عندما منعوا الزكاة، وزكّوا ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما بلغه صنيع ثقيف من مطالبتهم بربا كان ثمرة لعقود عقدوها من قبل، قد آذنهم بحرب، وكتب إلى عتاب بن أسيد والي مكة من قبله يقول له: " إن رضوا وإلا فآذنهم بحرب " (١)

أي أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتبرهم مرتدين يقاتلون باستمرارهم على أكل الربا؛ وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام عندما صالح ثقيفًا بعد حرب كان مما نص عليه في هذا الصلح أن ما لهم من ربا على الناس، وما كان للناس عليهم من ربا موضوع.

وما أجدر بعض الذين يتكلمون في هذا اليوم مستحلين الفوائد على أنها ليست من الربا أن يعتبروا ببني ثقيف وبني مخروم!! فإن أولئك كانوا يأخذون من الثقفيين ليتجروا، وليربوا، فوضع الله الربا الجاهلي كله، واعتبر المطالبة بما بقي حربا لله ولرسوله. . ألا فليمتنع هؤلاء عن قولهم حتى لَا يخاطبوا بقول الله: (فَأذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ).

(وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) أي أن من يقع في الربا وأراد أن يتوب إلى الله ويرجع إليه، فليعلم أنه ليس له أن يأخذ بعد تحريم الربا إلا رأس المال. وإن الاقتصار على رأس المال لَا يكون فيه ظلم للدائن، لأنه


(١) رواه الطبري في جامع البيان: ج ٣/ ٧١، والسيوطي في الدر المنثور ج ١/ ٣٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>