للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ... (٧٩)

* * *

لقد ادَّعى النصارى أن المسيح إله وعبدوه، وادّعوا أن ذلك من رسالته، واتخذ اليهود والنصارى الأحبار والرهبان أربابا من دون الله تعالى بمعنى أنهم لم يتصلوا في معرفة الدين بنصوص كتابهم من غير حجاب، بل اتصلوا به عن طريق تفسير الأحبار والرهبان، وأولئك حرفوا وبدلوا، وكانوا ينشرون كلامهم على أنه من دين الله، وما هو منه.

وقوله تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ) استعمال قرآني يفيد نفي الشأن وعدم اتفاق هذا المعنى مع الحقيقة المفروضة في الرسول، وقد قالوا إن كلمة " ما كان " في هذا المقام وما يشبهه في معنى ما ينبغي. وذلك مثل قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتلَ مؤْمِنًا إِلَّا خَطَئًا. . .)، وقوله تعالى: (مَا كانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ. . .). وقوله تعالى: (مَا يَكون لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ. . .).

والنفي في النص القرآني منصبّ على اجتماع الرسالة مع القول الذي يكذبون به على أنبياء الله، ومعنى النسق هذا، لَا ينبغي لبشر أن يخاطبه الله تعالى ويعطيه الحكم والنبوة أن يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله فليس النفي بالبداهة منصبا على إيتاء الله الكتاب والحكم والنبوة، بل هو منصب على المعطوف، وهو أن يكون منه - مع ما آتاه الله - ذلك الادعاء فيدعو الناس إلى عبادته.

و" الكتاب " المراد به سجل الشريعة التي جاءت، و " الحكم " قيل المراد به الحكمة، ومن ذلك قول أكثم بن صيفي: (الصمت حكم، وقليل فاعله)، وأنا أرجح أن المراد هو الشريعة المنزلة التي يحكم بها بين الناس، و " النبوة " هي الرسالة الإلهية التي حملها النبي من أنبياء الله تعالى، وتلك النعم التي أنعم الله بها على هذا النبي لَا تتفق مع ما ينسب إليه، فالكتاب الذي آتاه حجة عليه والشريعة التي

<<  <  ج: ص:  >  >>