(أُمَّةً) إما أن تكون بمعنى إمام، أي أنه عليه السلام كان إمام الموحدين المقتدى بهم أو مذهبا متبعا، كقول الله تعالى:(. . . إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ).
وفسره الزمخشري بأنه وحده أمة كأنه جماعة جمعت الفضائل كلها، وقد قال في ذلك:(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كانَ أُمَّةً) لكماله واستجماعه فضائل لَا تكاد توجد إلا متفرقة في أشخاص كثيرة، كقوله:
ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد وهو رئيس الموحدين وقدوة المحققين الذي جادل في المشركين، وأبطل مذاهبهم الزائفة بالحجج الدامغة، وهذا وجه وقال الزمخشري: والثاني أن يكون أمة بمعنى مأموم أي يؤمه الناس ليأخذوا منه الخير، أو بمعنى مؤتم كأمة كالرُحْلة والنخبة وما أشبه ذلك مما جاء من فُعله بمعنى مفعول، فيكون مثل قوله تعالى:
(. . . إنِّي جَاعِلُكَ لِلناسِ إِمَامًا. . .)، ويروى الشعبي عن نوفل الأشجعي عن ابن مسعود أنه قال: إن معاذًا كان أمة قانتا لله، فقلت: غلطت إنما هو إبراهيم، فقال: الأمة الذي يعلم الخير، والقانت المطيع لله ورسوله وكان معاذ كذلك. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال حين قيل له استخلف: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته، ولو كان معاذ حيا لاستخلفته، ولو كان سالم حيا لاستخلفته، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" أبو عبيدة أمين هذه الأمة، ومعاذ أمة قانتا لله ليس بينه وبين الله يوم القيامة إلا المرسلون وسالم شديد الحب لله لو كان لا يخاف الله لم يعصه "، وهو ذلك المعنى أي كان إماما في الدين؛ لأن الأئمة معلمو الخير.
ونقول: إن الوجهين اللذين ذكرهما الزمخشري يصح أن يوادا معا، فهو في ذاته أمة لأنه جامع لكل صفات الكمال البشري، ومستجمع لكل أسباب الرفعة عند الله، وهو مع ذلك إمام يؤتم ويقصد إذ هو إمام الموحدين والله أعلم؛ ولذلك عقب ذكره بتزييف مذاهب المشركين من الشرك والطعن والنبوة، وتحريم ما أحله الله، ولأنه كان وحده أمة موحِّدا، وكان سائر الناس مشركا.