للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى)، وكُتِبَ معناها فُرِضَ فرضًا مؤكدًا مسجَّلا، لَا مرية فيه، والفرضية على الجماعة الإسلامية كلها، فيفرض على الحاكم أن يقتص من القاتل أو المقتول بشكل عام، وفرض على القاتل أن يقدم نفسه، وفرض على ولي الدم أن يطالب بالدم، أو يعفو حتى لَا يُطَلُّ دم قط في الإسلام، وفرض على الجماعة كلها أن يعين ولي الدم ليقتص القاضي من المعتدي، ولو كان ولي الأمر، فقد قرر الفقهاء على ضوء هذه الآية أن ولي الأمر، ولو كان الجامعة الأعظم إذا قتل شخصا بغير حق، وأراد ولي الأمر القصاص وجب على الأمة مجتمعة أن تعينه على القصاص فإنه لَا يُطَلُّ دم قط في الإسلام كما قال إمام الهدى علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه (١).

والقصاص مصدر قاص، وهو المساواة وتتبع الأثر، وقد كتبه الله تعالى بأن يؤخذ الجاني بما جنى، وتكون العقوبة مساوية للجريمة، وأساس الإسلام في قواعده العامة، وإن ذلك هو العدل، وهو أردع للجاني؛ لأنه إذا علم أنه سينزل مثل ما نزل بالجاني، فإنه يتردد في الارتكاب ثم يعدل، ولقد قال بعض علماء الاجتماع والقانون: إن العقوبة إذا اشتقت من الجريمة كانت رادعة إذ تجعل المجرم يحس بأنه نازل به مثل إجرامه.

وقد فصل الله تعالى حكم القصاص، فقال تعالت كلماته: (الْحرُّ بِالْحُرِّ) أي الحر يقتل في مقابل الحر، (وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) والعبد يقتل في مقابل العبد، (وَالأُنثَى بِالأُنثَى) والأنثى تقتل في مقابل الأنثى.

هذا هو العدل، وهو رد على الجاهليين الذين كانوا لَا يسوون في الدماء، فالعبد إذا قتل حرا من قبيلة أو الحر إذا قتل حرا من قبيلة، وكان الأول من دهماء


(١) جاء في صحيح ابن خزيمة (٢٣٧٢) عن بشير بن يسار أن رجلًا من أهله يقال له ابن أبي حثمة أخبره: لأ أن نفرا منهم انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا أحدهم قتيلا، فقالوا للذين وجدوه عندهم: قتلتم صاحبنا، قالوا: يا رسول الله إنا انطلقنا إلى خيبر. . . ". فذكر الحديث وقال في آخره: " فكره نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُطَلَّ دمه ففداه بمائة من إبل الصدقة ".

<<  <  ج: ص:  >  >>