للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (٧٩)

دل هذا القول على أن حكم سليمان كان بإلهام من الله، ويومئ إلى أنه كان الحق، وإن لم يكن حكم داود كان باطلا، فقد بذل فيه سبيل الاجتهاد، وكان مقاربا، ولم يكن مناقضا للحق، والأحكام تبنى في الدنيا على المقاربة، ولو كان القاضي نبيا جعله الله تعالى خليفة في الأرض ما دام الحكم لَا شطط فيه، ولذا قال تعالى: (وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) أما العلم فعلم النبوة، وأما الحكم فقالوا إن الحكمة والقدرة على فهم الأمور ودراستها من كل جوانبها، ويصح أن نقول: إن المراد بالحكم أهلية الفصل بين الخصوم، وقد ذكر سبحانه وتعالى أنه كان شاهدا مقرا لحكمهم.

ويلاحظ هنا أن الحكم الذي أقره الله تعالى أو كان عليه شاهدا، وهو حكم داود عليه السلام وحكم ابنه سليمان هو جزاء مشتق من ذات الاعتداء ولو بالتسبب، فإن صاحب الغنم تركها من غير أن يراقبها ويحفظها فنفشت في الحرث، فكان الجزاء من ذات موضع الاعتداء، فقدره داود بأن تؤخذ الغنم في نظير الزرع لأن قيمتها كانت تساوي الزرع، وبذلك كان الجزاء من جنس الاعتداء وهو مقارب، وأفهم الله تعالى سليمان أن يجعل الاعتداء جزاءه مماثلا ولو في الظاهر لموضع الاعتداء فكان أن يترك صاحب الحرث لصاحب الغنم يحرثها ويزرعها، حتى إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>