للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (٨٠)

(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا)، أي صير لكم من بيوتكم التي تتخذوها منها من الحجر والمدر، والآجر، واللبن، أي موضع سكون واطمئنان، فهم في حركة دائبة دائمة كالكواكب والنجوم والأجرام السماوية، ولم يجعلكم في سكون كالأحجار والجبال، ولو في مظهرها وإن كانت ذاتها تمور، بل جعلكم في مضطرب تتحركون وتنامون وتستقرون، فكان من نعمته عليكم أن جعلكم تسكنون وتعملون، فالعمل والسكن كلاهما نعمة من اللَّه، ونرى من هذا التخريج أن جعل لكم ذلك السكن، والاطمئنان بعد اللغوب والتعب، كما أن بناء البيوت من موادها نعمة، وقد يقول قائل: كيف تكون نعمة أسبغها اللَّه، والعبد هو الذي بناها، وتقول: إن النعمة في أن مكنه من ذلك، وسخر كل شيء، فبعقله الذي خلقه اللَّه تعالى فدبر وبنى واهتدى إلى أساليبها، والخلاصة أن النعمة في أمرين: النعمة الأولى - في هدايته إلى البناء من مواده، وجعله مأوى، والثاني في أنه جعله يسكن بعد الكرب والتعب، وهذا يشير إلى أن الراحة لَا تكون إلا بعد جهد كما أن السكن لَا يكون إلا بعد عمل هذه نعمة كبيرة، وهي نعمة الحياة العاملة الكادحة.

والنعمة الثانية - هي تمكين الإنسان من النعم، وهي الإبل والبقر والغنم، وقد ذكر اللَّه سبحانه نعمة فيها بعد نعمة أكلها وتأليفها، وتسخيرها للإنسان في حاجاته، فقال تعالى: (وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْم إِقَامَتِكُمْ)، الظعن الارتحال والتنقل، وانتجاع مواطنِ الكلأ، واستخفافها هو طلب خفتها، أي تطلب لخفتها فالسين والتاء للطلب، (يوْمَ ظَعْنِكُمْ)، (وَجَعَلَ لَكُم مِّن

<<  <  ج: ص:  >  >>