للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ).

هذه الآية تدل بجملتها وظاهر ألفاظها أن الله تعالى يقول لنبيه الأمين: إنك تضل لو أطعت من في الأرض واتبعت كثرتهم، وإذا أريد بالأرض أرض المشركين من بلاد العرب، فالمعنى يكون محدودًا بحدود الكثرة العربية الذين كانوا في ذلك الوقت مشركين، فإن تطع أكثرهم يضلوك عن سبيل الله تعالى؛ لأنهم مشركون والشرك ضلال، فإن أطعتهم دخلت في ضلالهم، ويكون معنى القول نهي لمن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن يتبعوا المشركين في ضلالهم لأنهم الأكثرون، فالكثرة لَا تعطي الدليل قوة، ولا تتبع اليقين دائما، بل إن أقوالهم تعتمد على الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا؛ ولذا قال تعالى: (إِنْ يتَّبِعُونَ اٍلَّا الظَّنَّ)، و (إنْ) هنا نافية بمعنى (ما)، أي إنهم لَا يتبعون إلا الظن فيظنون الأمر ظنا، ثم يعتقدونه اعتقادا، كما قال تعالى عن أمثالهم: (إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ)، وأكد هذا ببيان طريق ظنهم فقال تعالى: (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)

والخرص مأخوذ من خرص النخل؛ ليعرف ما تحمل من بلح، فيقال: خرص النخل يخرصه إذا حزره، ولا يمكن أن تكون نتيجة الخرص علما قطعيا تبنى عليه عقيدة، أو يؤخذ به رأى سليم في أي أمر من الأمور، وأقصى ما ينتهي إليه ظن لا قطع فيه. فالمعنى: إن هم إلا يظنون، وإن هم في سبيل ذلك لَا يتبعون إلا الخرص الذي لَا ينتهي إلى يقين قط.

هذا الكلام خرجناه على أن الأرض المراد بها أرض الشرك، ويكون المقصود طاعة المسثركين، ولكن الأرض لو يراد منها الأرض الواسعة أرض الله تعالى، ويكون المراد إن تطع الناس فيما يرون ويبتغون يضلوك عن سبيل الله تعالى، وليس الحق دائما مع الكثرة، بل قد تكون الكثرة على غير الحق، بل إنه ثبت من التحليل للعقلية الجماعية أنها لَا تدرك ما يدركه المتفكر في خاصة نفسه، وذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>