للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أَلَمْ تَرَ) وفي هذا تصوير لملك من الملوك يدفعه اغتراره بملكه إلى أن ينكر رب العالمين ويسأل إبراهيم عنه، وتصوير لطاغية من طغاة الدنيا يدفعه طغيان الغرور على نفسه ثم طغيانه على شعبه إلى أن يدعي الربوبية.

فلننظر إلى تلك الحاجة: ينبهنا الله سبحانه وتعالى إلى تلك الحال الشاذة فيقول سبحانه: (أَلَمْ تَرَ) وقد بينا ما في هذا التركيب من أسرار بلاغية عند تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ... )، وخلاصة المعنى: لقد عرفت هذه القصة بالخبر القرآني اليقيني معرفة واضحة جلية بينة كأنها في تعينها ووضوحها المعرفة بطريق الرؤية البصرية والنظر، وهذا على أن رأى بمعنى أبصر. وإن كانت رأى بمعنى علم فالمعنى: تأمل وانظر بعين بصيرتك وادرس حال تلك النفس الطاغية التي تحمل الناس على الظلمات بطغيانها وإذا تأملتها علمت أيها المكلف أو أيها القارئ للقرآن إلى أي مدى يصل الطغيان من الظلمات والضلالات.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ) حاجه: أي بادله المحجة وفي تسمية كلامه حجة إنما هو من قبيل المماثلة اللفظية أو هو حجة في نظره السقيم الذي أفسد تفكيره وأضله فقد توهم وتخيل ثم ظن فضلَّ عن معرفة نفسه وعن معرفة الحق ووقع في أمور لَا يقبلها أي عقل سليم.

وما السبب في كل ذلك الضلال؛ هو شيء واحد هو أن الله سبحانه وتعالى أعطاه الملك؛ ولذلك قال تعالى: (أَنْ آتَاهُ اللَّهَ الْمُلْكَ) أي أن سبب تلك المحاجة التي تدل على مقدار ضلاله وطغيانه هو أن الله سبحانه وتعالى آتاه أي أعطاه الملك والسلطان الدنيوي وهو زائل فقوله: (أَنْ آتَاهُ اللَّهَ الْمُلْكَ) مجرور بحرف جر محذوف هو الباء أو اللام، أي أن الذي بعثه على ذلك الإسراف في القول الوقوع في هذا الضلال هو نعمة الملك التي أنعم الله بها عليه فجعلته مسرفًا في الضلال ذلك الإسراف المردي.

<<  <  ج: ص:  >  >>