للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَمَ مِن قَبْلُ)، أي من قبل الشرائع والرسل، أي من قبل أن يقع، والمعنى عهد الله تعالى لآدم قبل أن يوسوس إليه الشيطان، وهذا العهد هو أمر الله وتكليفه، وإن لم يكن في دار تكليف، وكل أمر من الله تعالى هو عهد بين العبد وربه، وذلك العهد هو قوله تعالى: (. . . وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)، ولقد بين الله تعالى أن ذلك عهد مؤكد، وقد أكده سبحانه بـ (اللام)، وبـ (قد)، وبإضافة العهد إليه سبحانه وتعالى، وأنه وثق على آدم أشد توثيق، ولقد ذكر سبحانه وتعالى وصفين لآدم أحدهما إيجابي، والثاني سلبي، أما الأول فهو النسيان فقد قال: (فَنَسِيَ) (الفاء) للعطف.

ونسي منصبة على العهد، أي فنسي العهد، ووقع في المحظور الذي حذره منه، وليس ذلك ما يكون غضاضة على آدم، لأن الله تعالى يصف الطبع الإنساني، وأنه يعرض له النسيان وتعرض له الغفلة، وما يقع في ما ينهى عنه إلا وهو ناسٍ غافل، الأمر الثاني، وهو السلبي ذكره سبحانه وتعالى بقوله: (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا)، أي عزيمة صادقة تحزم أموره وتقطعها، وعبر سبحانه بهذا القول: (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) في الأمر الواقع، والله تعالى يعلم به من قبل أن يقع، فقد قدر الله تعالى كل ذلك. وعلم ما وقع قبل وقوعه فكيف يقول: (وَلَمْ نجِدْ لَهُ عَزْمًا) وهو الذي خلقه وصوره وقدره، ونقول: إنه وجده واقعا، وهو يعلم علما أزليا لأنه هو الذي خلق وصور.

وإن إبليس وذريته يجيئون إلى ذرية آدم، من نسيانهم وغفلتهم، ونقص عزيمتهم، كما جاء إبليس اللعين إلى أبي الإنسانية من جهة نسيانه، وأنه لم يكن له عزم مانع، فليحذر الناس بعد أن جاءتهم الشرائع من وسوسة إبليس وذريته.

<<  <  ج: ص:  >  >>