للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نوحِيه إِلَيْكَ) الإشارة إلى القصص الحكيم الذي شمل نذر أم مريم، وولادتها، وكفالة زَكريا لها، ودعاء زكريا وإجابة الله دعاءه، ولزوم مريم للعبادة، وخطاب الملائكة؛ فبين الله سبحانه وتعالى أن هذا القصص من أنباء الغيب، أي من الأخبار العظيمة الشأن التي اختص بها علم الله، وهي مغيبة عن الناس لم يدونها تاريخ، ولم يذكرها كتاب، فهي مغيبة عن علم الناس لَا يعلمها أحد إلا من الله تعالى، وهي عظيمة الشأن في مجرى التاريخ الديني، ومجرى الفكر الإنساني، ومجرى التاريخ بشكل عام؛ وذلك لأنها تتعلق بآية من آيات الله الكبرى في هذا الوجود، وهي إيجاد إنسان كامل مستو من غير أب، وحمل امرأة من غير تلقيح؛ فإن هذا يفتق ذهن الإنسان المفكر لأن يدرك أن الله يخلق الأشياء بإرادته غير مقيد بسنن كونية، ولا بنظم في الخلق والإنشاء؛ لأنه خالق كل السنن وكل النظم؛ وبذلك يرد أقوال الفلاسفة الذين زعموا أن العالم نشأ عن العقل الأول نشوء المعلول عن العلة من غير إرادة مبدعة مسيرة.

والأنباء جمع نبأ، والنبأ هو الخبر العظيم الشأن، فليس كل خبر يسمى نبأ، والغيب هو الأمر المغيب المستور الذي لَا يعلم إلا من قبل الله تعالى. وقوله: (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) إشارة إلى موضع الصدق وهو أنه بوحي من الله تعالى؛ وهو كالنتيجة لكون الموضوع مغيبا، لم يذكر في واقعة تاريخية ولا في كتاب ديني من قبل، لأنه إذا كان مغيبا عن الناس جميعا فعلمه لَا يكون إلا من الله تعالى. وفي قوله: (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) مع كونه من قبل كان مغيبا إشارة إلى معنى الاختصاص، وفى الاختصاص بالتعريف كل معاني التكريم الإلهي لمحمد - صلى الله عليه وسلم -.

وإذا كانت حال مريم وخلوصها لعبادة الله تعالى مجهولة للناس قبل بيان القرآن، فإن القرآن صاحب الفضل في بيان براءتها من الدنس، ومقامها في عبادة

<<  <  ج: ص:  >  >>