للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله تعالى، وكفالة الله تعالى لها بنبي من أنبيائه، وتشريف الله تعالى بخطاب ملائكته لها مبشرين بالآية الكبرى والمعجزة الإلهية القاطعة، وذلك بولادة عيسى عليه السلام.

وفى ذلك إشارة إلى وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم، وهو إخباره بالصادق الذي لَا يوجد دليل قط على كذبه مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقرأ ولم يكتب، ولم يتعلم، والخبر لم يكن مدونا من قبل حتى يتلقاه من أحد كأولئك؛ الذين ادعوا أنه كان يقول ما يتول عن أخبار بني إسرائيل من حداد بمكة، وقد رد الله تعالى فريتهم بقوله تعالى: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣).

فلا يمكن أن يدعى لأخبار مريم؛ لأنه ما كان معلوما قبل بيان الله تعالى، ولذلك سماه غيبا.

وقد وضح سبحانه وتعالى هذا المعنى، وهو كون هذا بوحي، لَا من عند محمد عليه الصلاة والسلام، بقوله:

(وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) الأقلام جمع قلم، من قلمه بمعنى قطعه، والمراد بالأقلام القداح التي يضربون بها القرعة. والاختصام معناه في الأصل أن يكون كل في خصم أي جانب، والاختصام هنا هو التنافس بينهم في كفالة مريم؛ وذلك لأنها ولدت يتيمة، وقد تيمن العباد من بني إسرئيل بها، وكل يرجو خيرا من كفالتها، ويتخذ من هذه الكفالة قربة وزلفى إلى الله العزيز الحكيم، العليم الخبير، فلما كان الاختصام والتنافس اتفقوا على القرعة فكم بينهم، وقد كانت نتيجة القرعة أن آلت كفالتها إلى نبي الله زكريا عليه السلام، وهكذا كان الله تعالى يختار لها ولابنها، فاختارها من صفوة آل عمران، واختارها منذورة للعبادة محررة لها، واختارها مكفولة بنبي، واختارها لخطاب الملائكة إيأها، ثم كانت النتيجة لهذا كله أن اختارها على نساء العالمين لتكون موضع آيته الكبرى في هذا الوجود.

والمعنى الجملي للنص الكريم: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ) أي عندهم إذ يختصمون ويتنافسون على كفالة مريم، كل يريدها في كنفه ورعايته، وما كنت لديهم إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>