للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ... (١٦٩)

إن الذين سبقوهم كان منهم الصالحون، ومنهم دون ذلك، أما الذين جاءوا من بعدهم فالشر قد غلب فيهم وظهر على سطح جماعتهم، واختفى الخير، وإن كان موجودا فهو في كِن غير ظاهر، وصار جوهم العام فاسدا، والعبرة في فساد المجتمعات أن يكون الفساد هو الظاهر، والحق مختفيا وإن كان موجودا وقائما، ولكنه مغلوب.

(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) - الخلف بالسكون العقب الذي لَا خير فيه، ومن ذلك قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩).

وقد قال الله تعالى فيهم أمورا تثبت وهن اعتقادهم وفساد أعمالهم: ذكر أولا أنهم ورثوا الكتاب أي جاءهم علم الكتاب، وهو التوراة، بالوراثة لا بالتلقي، فلم يفتحوا له صدورهم ولكن جاء إليهم من غير أن يتدارسوه ويتقبلوه، والشيء الموروث الذي لَا يقوم عليه وارثه يكون حجة عليه، ولا ينتفع وذكر ثانيا نظرهم إلى هذا الكتاب ونظرهم إلى الدنيا وعرضها، إذ ينظرون إليه على الغرض المقصود، والمطلب المنشود؛ ولذا قال سبحانه عنهم: (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى) - أي يأخذون عرض هذا العيش الأدنى وهو أدنى معيشة في الحياة، أي يطلبون أدنى ما في الحياة من متاع، ويطلبون المتاع الأدنى وهو الحرام، ويستمرئونه فيأكلون السحت والرشوة والربا ويتناولون الحياة في صورتها المحرمة، ويحسبون أن الاستغفار يمحو ما فيها من عصيان، ولا يتوبون توبة نصوحا، إذ إن من أركان التوبة النصوح ألا يعود إلى الذنب الذي اقترفه، ولكنهم يعودون؛ ولذا

<<  <  ج: ص:  >  >>