للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ... (٢٧٦) المحق النقص والذهاب، ومنه محاق القمر: أي انتقاصه في الرؤية شيئًا فشيئًا حتى لَا يُرى، فكأنه زال وذهب؛ والله سبحانه وتعالى يمحق الربا في الدنيا والآخرة؛ ففي الآخرة عقاب أليم، وعذاب مقيم، وفي الدنيا ينقص ماله، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: [" الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ، فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ "] (١) أو تمحى من المال البركة، بحيث لَا يمكن الانتفاع به، إما لهمٍّ دائم وقلق مستمر، وإما لمرض يصيبه فيكون المال الكثير مع عدم القدرة على الانتفاع به، كمن عنده طعام شهي ولكنه لَا يستطيع أن يتناوله؛ لأنه يكون وبالاً عليه؛ وإما لمقت الناس له، فيفقد تعاونهم، وفي ذلك شر عليه، والربوي لَا يمكن أن يخلو في الدنيا من واحد من هذه الأمور، فكان الربا ممحوقًا دائما.

هذه نتيجة الربا، أما الصدقات فإن الله يربيها وينميها، إما بالكسب الوفير، وإما بفضل التعاون وبالهدوء والاطمئنان، ثم بالنعيم المقيم يوم القيامة؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: " إن صدقة أحدكم لتقع في يد الله فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله، حتى يجيء يوم القيامة، وإن اللقمة لعلى قدر أحُد " (٢).

والصدقة ليس المراد منها مجرد العطاء، بل تشمل كل نفع عام أو خاص لا يقصد به المؤمن المنفعة الشخصية التي تنبع من الهوى، وعلى ذلك يكون القرض الحسن الذي يقصد به التعاون على الاستغلال من الصدقة أيضا، وهو من خير الصدقات أيضا، وهو من خير الصدقات التي يربيها الله في الدنيا والآخرة.

(وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) هذا تهديد لمن استحلوا الربا، أو ارتكبوه، وقد ذُكروا في ذلك الكلام العام للإشارة إلى أن المرابين يسترون الحق، ويعوقون عن الخير؛ إذ معنى " كفَّار " من كفر بمعنى سترَ وأخفى وجحد، فهي صيغة مبالغة لكافر؛


(١) رواه بهذا اللفظ أحمد: مسند المكثرين - مسند عبد الله بن مسعود (٣٨٢٢). ورواه ابن ماجه: التجارات - التغليظ في الربا (٢٢٧٠) عن عبد الله بن مسعود مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٢) رواه بنحو من هذا البخاري: الزكاة - الصدقة من كسب طيب (١٣٢١)، ومسلم: الزكاة - قبول الزكاة (١٦٨٤) عن أبي هريرة وقد سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>