للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العطف بـ) (ثُمَّ) في موضعه، لأن الزمن تطاول بين دخولهم الكهف وضرب اللَّه تعالى على آذانهم فقد كانت سنين كثيرة لَا تعرف إلا بالعد والإحصاء، وسمى اللَّه تعالى سماعهم بعد أن ضرب على آذانهم بعثا، مع أنه ليس إلا أن يسمعوا بعد أن لم يسمعوا من غير أن يفقدوا حاسة السمع، ولكن كان هناك حجاب يمنع من السماع بإرادة اللَّه تعالى، وسمي ذلك بعثا؛ لأنه مظهر الحياة بعد أن اختفت، فمع أنهم أحياء واستمروا أحياء طول هذه المدة، وقد يقال في اللغة: بعثه، إذا أيقظه من نومه، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته لأهله وعشيرته: " والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون " (١)، فبين البعث واليقظة بعد النوم مشابهة تجعل أحدهما كالآخر، وخصوصا أن البعث هنا مع بقاء الحياة، وإنما الذي غيَّب الكلام والسماع هو الرقاد.

وإنهم عندما استيقظوا بعد طول الرقاد، اختلفوا على فريقين ففريق منهم قال: (لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)، وقالت كثرتهم: (رَبُّكُمْ أعْلَمُ بِمَا لَبِثتُمْ)، سمى اللَّه تعالى الفريقين حزبين، لأن الحزب ما ينحاز إلى أمر معين من دين أو حرب أو نصرة، وحزب اللَّه في دينه هم المفلحون، كما قال تعالى: (. . . أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

كانوا في رقادهم لَا يشعرون كم أمضوا من الوقت فقسم حدد وعيَّن، وقسم أكثر أربا، وأشد تفويضا لم يهتموا، فاللَّه تعالى بين أن البعث سيعرفهم الحقيقة، لأنهم يختبرون بالحياة، ويعلمون في أي زمن يعيشون وفي عهد أي حاكم يكونون بعد هذا الرقاد، ولذا قال تعالى: (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا) إن اللَّه تعالى يعلم كل شيء يعلم ما كان وما يكون وما هو كائن، فاللَّه تعالى لَا يعلم جديدا، ولكن المراد أن يظهر ما يعلمه اللَّه تعالى واقعا يعلمونه، فمعنى (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ)، أي ليظهر علم اللَّه تعالى واقعا محسوسًا يعلمه الناس، بعد أن كانوا يظنون ويحدسون.


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>