للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا ... (١٠٠) تدل على نقض العهد بين طرفين، وأكثر ما تكون عهود اليهود بين رب العالمين وبينهم، والعهد الذي يكون بين طرفين لَا ينقض إلا بتراضيهم، ولكنهم لَا يلتزمون بذلك، بل ينفردون بالنقض. أو بعبارة أدق لا يعرفون معهودهم، وقال تعالى: (نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهمْ) النبذ الطرح والرمي، ومعناه في العهود، نبذ الوفاء وطرحه، من غير موجب ولا مراعاة ذمامٍ، ولم يجز القرآن النبذ إلا عند الخيانة، كما قال تعالى: (وَإمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَة فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ).

ونسب سبحانه وتعالى النبذ إلى فريق منهم ولم ينسبه إلى جميعهم، لأن الله العدل الحكيم لَا يقرر إلا ماهو عدل حكيم، وقد سكت سبحانه عن موقف الفريق الآخر فهل مالأه؟ الظاهر أنه إن لم يمالئ فلم يستنكر، ولم يمنع وهو قادر على المنع؛ ولذا يصح أن ينسب إلى جميعهم إذ كانوا لَا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون، ولقد حكم الله تعالى عليهم بقوله: (بَلْ أَكْثَرهمْ لا يُؤْمِنونَ) فـ " بل " هنا للإضراب ودفع معنى يتوهم من قبل، وهو أن أكثرهم فاضل، ومانع لهم من الشر، وذلك لقوله تعالى: (نَّبَذَهُ فَرِيقٌ منْهُمْ)، فبين سبحانه أن كثرتهم لَا يؤمن بالحق فقال تعالى: (أَكْثَرهمْ لَا يُؤْمِنُونَ) فنفَى سبحانه وتعالى عنهم أصل الإيمان بشيء من الفضيلة أو الخلق فبعضهم يمعن في الشر إمعانا والآخرون يسكتون ولا يتحركون لأن الأكثر لَا يؤمنون، فكل من كان على مثل حال هؤلاء اليهود كان كل كلامه وأفعاله لَا يصدر عن قلب مؤمن مذعن للحق. وإذا كانوا لا يؤمنون بكتاب الله تعالى الذي أنزل [منجها] (١) إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم أيضا لَا يؤمنون بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، مع ما كان منهم قبل أن يبعث - صلى الله عليه وسلم -، وينبذون كتابه. ولذا قال الله تعالى:


(١) في الأصل [منجها] ولعله خطأ مطبعي. اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية).

<<  <  ج: ص:  >  >>