للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨)

* * *

الإشارة في النص السامي إلى ما تضمنته الآية السابقة من الحث على السير في الأرض وتعرف سنن الله تعالى من آثار المكذبين الذين طغوا أولا ثم ذلوا وأُخذوا من حيث لَا يحتسبون - وقد ذكر أن هذا بيان للناس أجمعين، يدركه كل من له بصر يبصر به، وفهم يفهم به، وتحقق البيان لَا يقتضي تحقق أثره وهو المعرفة التي تهدي إلى الإيمان وتوجب الاتعاظ، إنما تكون الهداية من البيان والاتعاظ به للمتقين دون غيرهم، ولذلك جعل سبحانه البيان للناس جميعا، والهداية والموعظة للمتقين منهم فقط؛ إذ إن الهداية بالبيان تقتضي إشراقا روحيا، واستعدادا قلبيا، وإخلاصا في طلب الحقيقة، والموعظة وهي الاستفادة من العبر، تقتضي قلبا متفتحا لإدراك الحقائق والاتجاه إليها بقصد سليم، وذلك كله لَا يتوافر إلا للمتقين الذين أخلصوا أنفسهم لله، وطلبوا الحق، وسلكوا سبيله لَا يبغونه عوجا، ومثل البيان مثل البذر يلقى في الأرض، فإذا أصاب صحراء قاحلة جف ولم ينتج، وإذا أصاب أرضا خصبة أنبتت نباتا حسنا، وقد مثل النبي - صلى الله عليه وسلم - العلم بالغيث وبين اختلاف الناس في تلقيه، فقال: " مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ " (١).

وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد بين هذا البيان فيجب على المؤمنين أن يعتبروا بسنن الله تعالى وأن يعرفوا أن ما أصابهم في أحد فبسنن الله، وعليهم أن


(١) رواه البخاري: العلم - فضل من عمل وعلم (٧٧)، ومسلم: الفضائل - بيان ما بعث الله به النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢٢٨٢) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وقد سبق تخريجه بألفاظه.

<<  <  ج: ص:  >  >>