للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا) والمعنى ما تحقق وما ثبت لنفس أن تموت إلا بإذن الله تعالى، وقد كتب لها كتابا مؤجلا، ومعنى الإذن هنا يتضمن أن لله تعالى الإرادة المطلقة في قبض النفوس وإرسالها، فهي لَا تموت إلا بمشيئته، ولا تحيا إلا بإرادته، وقد عبر سبحانه وتعالى عن الإرادة بالإذن، وذلك للإشارة إلى أنه إذا كان القتل في الحروب سببا للموت، فإنه ما دام لم يجئ الإذن الذي يعلن مشيئة الله تعالى وإرادته فإن المقاتلين مهما يكونوا أقوياء لَا يمكن أن يصيبوا نفسا لم يشأ الله تعالى قتلها، فهذا النص الكريم يؤكد معنيين: أحدهما: أن الموت بالإرادة الأزلية، وبالمشيئة الإلهية، فما لم يأذن فلا موت. والثاني: أن القتال مهما يكن شديدا فلن تموت نفس لم يكتب الله تعالى لها الموت، وهناك إشارات في الآية كثيرة: منها أن الموت لَا يحتاج بالنسبة لله تعالى إلى أسباب، فليس إلا أن يأذن بقبض الروح فيكون الموت من غير أي مجهود يبذل، ومنها تحريض المؤمنين على الجهاد، وتشجيعهم على لقاء الأعداء، فإن الحذر والحرص على الحياة لَا يمنعان ما قدر الله تعالى، فإذا كان قد أذن للنفوس أن تلقى ربها فلا مانع يمنعها، ولا دافع يدفع عنها أسباب المنايا، ومنها الإشارة إلى حفظ الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وقد تربص به الأعداء، وأحاطوا به من كل جانب، وصار قريبا من نهزة المختلس، ولكن الله تعالى أحاطه بكلاءته وعنايته، ومنها بيان أن الله سبحانه وتعالى قابض نبيه - صلى الله عليه وسلم - مهما يطل الأمد أو يقصر.

وقوله تعالى: (كتابًا مّؤَجَّلًا) مفعول مطلق لفعل محذوف معناه: كتب كتابا مؤجلا، أي له أجل معلوم لَا يتقدم ولا يتأخر، وهو آت لَا محالة.

(وَمَن يرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نؤْتِه مِنْهَا) وإذا كان الأجل مكتوبا، فإن ذلك لَا يمنع أن العمل مكسوب، فعلى كل أن يعمل، وكلٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>