للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ميسر لما خلق له، وكل يكون جزاؤه في الدنيا والآخرة، فمن يرد ثواب الدنيا أي جزاءها والنتائج المطلوبة فيها، ويسلك السبيل القاصد الذي يوصل إلى الغاية، وينتهي إلى النهاية، يمكنه الله تعالى من الأسباب، ويسهل له الحصول على النتائج، ومن كان يريد الآخرة ويقصد وجه الله تعالى في كل ما يعمل، ويقصد إلى الدنيا لَا لذاتها، بل على أنها مزرعة الآخرة، فإن الله تعالى يؤتيه من ثواب الأخرة ما ادخره لعباده المتقين، وهذا كقوله تعالى: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ. . .). وكقوله تعالى: (من كَانَ يُرِيدُ حَرْث الآخِرةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ومن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا ومَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ).

فالنص الكريم يثبت أن الدنيا لها وسائل، والنجاح فيها له أسباب توصل إلى النتائج، والآخرة لها أسباب وذرائع، وعلى ذلك لَا يكون النجاح في شئون الدنيا دليلا على القرب من الله تعالى، ولا الفشل فيها دليلا على البعد عن الله تعالى، ذلك قول الفجار، الذين يتخذون من سطوة الكفار مع كفرهم دليلا على أنهم أقرب إلى الله من المؤمنين، ويغفلون عن قول الله تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (٣٤) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥).

وفى النص الكريم إشارات بينات، فهو يشير إلى الذين اتبعوا الغنائم وتركوا طاعة الرسول يوم أحد بأنهم أرادوا الدنيا، ولكن لم يسلكوا مسالكها، ويشير إلى الذي يقاتلون طلبا للغنائم، وأنهم لَا ينالونها إلا إذا استقاموا على مناهج القتال الصحيحة، ويشير إلى فضل الذين صبروا ويصبرون في الحرب، ويطلبون بها وجه الله تعالى لَا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، ويشير إلى أن القتال يجب أن يقصد به وجه الله تعالى، لعمارة الأرض ومنع الفساد فيها، ثم يبين سبحانه أن أولئك هم الذين ينالون الجواب، ولذا قال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>