للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) شكر النعمة القيام بحقها، وأداء ما ينعم الله تعالى به من نعم في مواضعه، فإذا أُعطي فشكر العطاء بإنفاقه في مواضع الإنفاق، وإذا منح القوة فشكرها أن يجعلها لنصرة الحق وخفض الباطل، وإذا أُعطي نعمة الحكمة والفكر السليم، فيكون الشكر بتسخير ذلك لنفع العباد، وهدى الناس، وإرشادهم إلى طرق البحث وتذليل الأرض لهم، وأن يكون ما ينتجه للعمارة لا للخراب.

وهنا نجد النص لم يبين الجزاء، ولم يبين من الذين يتصفون بالشكر من طلاب الدنيا أو طلاب الآخرة، وقد ترك الجزاء من غير بيان ليعم الجزاء الدنيوي، والجزاء الأخروي، فمن طلبوا الدنيا واتخذوا أسبابها، ونصروا الضعيف، وخذلوا القوى، وعمروا الأرض ولم يفسدوها، ولم يطرحوا ما عند الله تعالى بل طلبوه، كانوا من الشاكرين. واستحقوا الجزاءين: جزاء الدنيا بأن يصلوا إلى النتائج التي قصدوها، وهي العلو في الأرض من غير طغيان، والجزاء في الآخرة عند تجلي الرحمن.

ولم يبين سبحانه من هم الشاكرون؟ أهم طلاب الدنيا أم طلاب الآخرة، وذلك لأن المطلبين ليسا متضادين، بل إنهما يتلاقيان، وإنه عند التحقيق لَا يعد طالب الدنيا سالكا طريقها إلا إذا طلب الآخرة فيها، وأذعن لقدرة الخالق في طلب الحياة الدنيا، فكل شيء عنده بمقدار، فمن اعتمد على الأسباب الدنيوية وحدها من غير تفويض الله معها فإنه يعاند قدرة الله، ولا ينجح له تدبير، ولا ينتهي إلى غاية في تفكير، (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ).

ولذلك كان الشكر مشتركا عند طلاب الدنيا إن طلبوها على وجهها وطلاب الآخرة، وإنه عند التحقيق أيضا طلب الآخرة لَا ينقطع تماما عن طلب الدنيا، فإن الزهد في الإسلام طلب الحلال وليس إعراضا عن الدنيا، وإن من

<<  <  ج: ص:  >  >>