للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩)

بعد ذلك أخذ في تفصيل أو تفسير ما فعل وغايته الغيبية أو المال العيني، (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ)، المساكين هنا جمع مسكين، وليس هو المسكين القسيم للفقير الذي هو أدنى حالا من الفقير، عند بعض الفقهاء، - أو أعلى حالا من الفقير على قول آخرين، إنما المراد الضعيف الذي لا قوة ولا سطوة لقلة في العدد، أو لاستخذاء أمام قوي غالب، والمراد لقوم ضعفاء، كانوا يعملون في البحر بحارة أو تجارا، ولم يكونوا ذوي قوة تغلب أو تقهر، وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وراءهم في السير، أي أنهم يسيرون ويسبقونه، ويكون هو بعد سيرهم، فهو يستقبلهم، ويغتصب سفينتهم لضعفهم واستكانتهم، وقوله تعالى: (فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا) فهي مقدمة عن تأخير؛ لأن سبب إرادة عيبها أن وراءهم ملكا إلى آخره، والسبب مقدم على المسبب، ولكنه قدم هنا إرادة العيب على سببها؛ لأن إرادة العيب هي سبب لمنع الغصب قدمت عليه، إذ هذا العيب يحمى هؤلاء المساكين وسفينتهم من الغصب، إذ يراها ليست مما يرغب فيه، فيمتنع عن غصبها لَا كراهية للغصب في ذاته ولكن استحقارا لها بعد هذا العيب.

والعيب يمكن إصلاحه، والمهم إنقاذ السفينة من اغتصاب المغتصب.

وإن هذا التأويل يدل على أن ظواهر الأمور قد تكون ضارة بادي النظر، ولكنها في غايتها، خير وفير، (. . . وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لكُمْ. . .).

هذا هو تأويل خرق السفينة أو بيان مآله، أما قتل الغلام فقد قال فيه كما حكى اللَّه تعالى عنه:

<<  <  ج: ص:  >  >>