للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(جَنَّاتُ عَدْنٍ) بدل أو بيان لمعنى عقبى الدار، أو الدار نفسها التي تكون عاقبة العاملين عملا صالحا، والذين صبروا في الجهاد ابتغاء وجه ربهم، و (عَدْنٍ) يعني إقامة، أي جنات يقيمون فيها إقامة دائمة وهي الفردوس، وتكون في وسط الجنة، وفوقها عرش الرحمن الذي يحكم في عباده بما يشاء، وهذا تصوير بياني رائع لبيان النعيم المقيم الذي يختص به الأبرار المجاهدون الأطهار.

يدخلونها، لَا عائق يعوقهم، ولا حائل بينهم وبينها، ويُدخلون معهم من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم. ذكر هؤلاء الذين يكوِّنون الأسرة، والمؤمن في حنان مستمر إلى هؤلاء، من آباء وأمهات وأبناء وأحفاد. فاللَّه سبحانه وتعالى يطمئنه عليهم، وبأن الأسرة الدنيوية تكون معه في الآخرة يأنس بها وتأنس به، وقيد هؤلاء بأنهم الصالحون، وغير الصالحين ليسوا منه، وليس هو منهم كابن نوح، إذ قال ربه: (. . . إِنَّهُ لَيْسَ مِن أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ. . .)، وهذا يشير إلى أن الجنة جزاء للأعمال، لَا للأنساب كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحبابه من بني هاشم: " يا معشر بني هاشم، لَا يأتيني الناس بالأعمال وتأتوني بالأنساب، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " (١). وقد فهم بعض المفسرين أن أولئك ألحقوا به إكراما له، ولكن اشتراط الصلاح يقيِّد دخولهم (وَمَنْ صَلَحَ)، إنما كان استقلالا لعملهم بدليل ذكر الصلاح، ولكن ذكروا معه لبيان أنسه بأحبابه في الدنيا أولا ولاطمئنانه على من يحدب عليهم ثانيا.

وبعد أن ذكر سبحانه وتعالى أنس المجاهدين الصابرين المتقين بذوي الصلات بهم في الدنيا إذا صلحوا - ذكر أُنسا روحانيا كريما، وهو إيناسهم بالملائكة الأطهار، فقال تعالت كلماته: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّنْ كُلِّ بَابٍ) أي يحفون بهم، يجيئون إليهم من كل ناحية، فهم في أنس روحي، كما أنهم في متعة الجنة، وهي نعيم مادي، (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرمَّان)، وفيها كل ما تشتهي النفس، وفيها ما لَا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب


(١) رواه أبو يعلى مرسلا، ووثقه ابن حبان وغيره، مجمع الزوائد (٢٩٦٧٢): ج ١٠/ ٣٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>