للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ... (١١٣)

* * *

(الواو) هنا عاطفة على نتيجة الجملة السابقة؛ لأن نتيجة يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا أن يفتروا، فكان العطف عليه (وَلِتَصْغَى إِلَيهِ أَفْئِدَةُ الَّذِين لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ) فالإغواء بزخرف القول غرهم فأفسدهم وأفسد من هم على شاكلتهم، وهم الذين لَا يؤمنون بالآخرة، وتصغي معناها تميل، أي تميل قلوب أولئك الذين لَا يؤمنون بالآخرة، ولم يقل الجاحدون بالآيات، بل ذكر الذين لا يؤمنون بالآخرة؛ ليشير إلى سبب الكفر وهو عدم الإيمان بالآخرة، ذلك أن الإيمان بالآخرة مقياس الإيمان، وهو ما يفصل قلب المؤمن عن قلب الكافر، فقلب الكافر لَا يتسع إلا لما هو مادي محسوس، ولا ينظر إلى ما هو مغيب مستور، فهو لَا يؤمن بأن وراء الحياة التي يعيشها حياة أخرى فيها جزاء ما يكون في هذه الحياة؛ ولذلك كان من أوصاف المتقين كما قال تعالى: (الذِينَ يُؤْمِنونَ بِالْغَيْبِ. . .)، فالإيمان بالغيب إيمان بسر الوجود وغايته ونهايته، وإنه لا نهاية لها بالقبور، أما الكافرون الجاحدون فيقولون كما حكى القرآن (إِنْ هِي إِلَّا حَيَاتُنَا الذُنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ).

(وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ).

ليميل أولئك الذين لَا يؤمنون بالآخرة إلى زخرف الشيطان، وتغرير بالغرور، يحسبون أنه الغاية فهو سبيلهم وإذا رضوه عملوا بمقتضاه، وارتكبوا من الآثام ما هو غايته ونهايتهم، وهذا معنى قوله: (وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُون) والاقتراف معناه الاكتساب، وهو أكثر ما يكون في اكتساب ما لَا يحس وما ليس بخير، وأصل مادة " قرف " أن يقول ما ليس بحق يقال قرفتين إذا رميتني ما ليس فيَّ، فهو في القول الرمي بالباطل، وفي الأفعال اكتساب ما فيه إثم أو ما تكون عاقبته إثم.

<<  <  ج: ص:  >  >>