للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غُرُورًا)، أي يلقى في نفوسهم تحسين الباطل بأقوال باطلة، ولكنها مزخرفة بزخرف يكون غرورا للنفس الضالة، فتتدلى به.

وهكذا يجيء تضليل النفوس في الآحاد والجماعات بزخرف القول، فتسمى الحقائق بغير أسمائها فيسمى الجحود طلبا للدليل، ويسمى الشجاعة في الحق تهورا، ويسمى الإفساد حرية، ويسمى الاستبداد شورى، والشورى طغيانا، ولذلك كان بعض الحكماء يرى أن إصلاح الأخلاق يكون أولا بتصحيح الألفاظ، وإن هذه العداوة للأنبياء من شياطين الإنس والجن بإرادة الله تعالى، ولذا قال: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ).

أي إن هذه إرادة الله تعالى اختيارا، وليبلغ النبيون أعلى مراتب الإنسانية

بجهادهم في الدعوة إلى الله، وقوله تعالى: (ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ). معناه لو أراد الله تعالى ما فعلوه، أي شياطين الإنس والجن، ولكنهم فعلوه ليكون التنازعِ بين الخير والشر، ولأن الله تعالى مكن لإبليس الذي قال: (لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)، ولو أراد الله ما تمكن، ولو شاء الله تعالى ما خلقه.

وإذا كان ذلك أمرا ثابتا بالنسبة للنبيين أجمعين، فتقبله وأعرض عنهم، ولا تأس على القوم الفاسقين؛ ولذلك قال تعالى: (فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) أي فاتركهم وأكاذيبهم من إنكارهم حجية القرآن، ودلالته على النبوة، وافتراءهم على أنفسهم بحلفهم أنهم يؤمنون لو جاءتهم، وافتراءهم عليك من أنك تعيب أحلامهم، وتسفه آباءهم، وأنت تنطق بالحق وترشدهم وتهديهم سواء السبيل.

وقوله تعالى: (فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)، (الواو) واو المعية، و (ما) اسم موصول، أي أعرض عنهم واتركهم هم وما يفترونه، هذه هي النتيجة بالنسبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي أن يتركهم في غيهم يتحيرون، أما النتيجة بالنسبة لهم ولأمثالهم فقد ذكرها الله تعالى بقوله تعالى:

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>