للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)

العطف بـ " ثم " في خلق العلقة من الماء السائل الأبيض في موضعه؛ لأنه يكون في وقت أطول، إذ إنه يتحول إلى لحمة حمراء، ويتحيز في مكان بعد أن كان سائلا ليس له مكان متحيز فيه يملأ فراغا، وعبر هنا بالخلق، ولم يعبر بالجعل، لأنه أنشأه إنشاءً، إذ إن تحول ما ينسل من الطين إلى ماء هو النطفة تحويل بخلق الخالق، ولذا عبر بـ " جعل " التي تدل على الخلق، والتصيير والتحويل، بعد ذلك (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً)، أي أن العلقة تحولت إلى مُضْغة، والأصل في المضغة قدر ما يمضغ في الفم من اللحم، ويبتدئ في المضغة تشكيل اللحم وتصويره بالصورة التي تكون عليه؛ ولذا جاء في سورة الحج: (ثُمَّ مِن مُضْغَةٍ مخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مخَلَّقَةٍ. . .)، فيبتدئ في المضغة التخليق، وينتهي بأن يكسى عظاما، والتعبير بـ (خَلَقْنَا) هنا للإشارة إلى أن ذلك التصيير أو التحويل إنما هو بخلق اللَّه تعالى لَا بالسببية التي تحول الجنين من نطفة إلى علقة ثم إلى مضغة، فإن اللَّه تعالى هو الخلاق العليم الذي ينشئ الشيء، فلا ينشأ شيء بغير إرادته، إنما إرادة اللَّه تعالى وقدرته هي الفاعلة.

ثم قال سبحانه: (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا)، أي بعد أن تخلقت المضغة، وتميزت أجزاؤها، جعلها اللَّه تعالى عظاما أي جعل من هذه المضغة عظاما صلبة تتحمل. سبحان اللَّه تعالى، طين فماء مهين فقطعة لحم، فمضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم قال تعالى: (فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لحْمًا)، أي جعلنا العظام التي خلقت من المضغة - مكسوة باللحم، وظاهر أن ذلك بخلق اللَّه وتكوينه، ابتدأت بماء مهين، ثم بقطعة لحم ثم بمضغة قدر ما يمضغه الإنسان، ثم بتخليقها، وجعلها عظاما ثم يكسو العظام باللحم، ذلك بقدرة العليم الحكيم وخلقه.

وهنا نلاحظ أن العطف كان بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب، في قوله تعالى: (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا)؛ وذلك للدلالة على سرعة

<<  <  ج: ص:  >  >>