للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التكوين مع تفاوت هذا التكوين، أو التحول بإرادة اللَّه تعالى وحده، وبذلك يتبين أنه سهلٌ يسيرٌ عليه، وأن إعادته تكون أيسر، وما خلق الإنسان بأكبر من خلق السماء والأرض.

وأما قوله تعالى في سورة الحج: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا. . .).

وكان العطف بـ " ثم " لا بـ " الفاء "؛ لأن السياق لبيان المراحل، كما قال سبحانه: (لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ) وقد اقتضى هذا أن يكون العطف بما يدل على التراخي، وإن ذلك نسبي، فهو بالنسبة لنا تراخ حقيقي، إذ إن تكوّن العلقة من النطفة يحتاج إلى زمن، وإن كان عند اللَّه يسيرا، فأيامنا عنده أزمان قصيرة، وإن طالت عندنا، وقال تعالى: (ثُمَّ أَنشَأنَاهُ خَلْقًا آخَرَ)، أي أوجدنا فيه حالا غير الأحوال السابقة، فقد خرج إلى الحياة طفلا، ثم بلغ أشده ومنهم من يتوفى، ومنهم من يرد إلى أرذل العمر؛ لكيلا يعلم من بعد علم شيئا، وقد جعل اللَّه تعالى لهم سمعا وبصرا وأفئدة، وبذلك صار إنسانًا سويا، وأرسل إليه الرسل فَضَلَّ من ضلَّ واهتدىِ من اهتدى، وكل هذا أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله عز من قائل: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) وكان العطف بـ " ثم " له موضعه؛ لأن ذلك الخلق الآخر أخذ أدوارا مختلفة.

وكلمة (آخَرَ) تشير إلى أنه وصل إلى حال هي غير الطينِ وغير العلقة وغير المضغة، بل إنه خلق كامل، وقد قال في ذلك الزمخشري: (خَلْقًا آخَرَ)، أي خلقا مباينا للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جعله حيوانا، وكان جمادا، وناطقا وكان أبكم، وسميعا، وكان أصم، وبصيرا، وكان أكمه، وأودع باطنه وظاهره، وكل عضو من أعضائه، وكل جزء من أجزائه عجائب قدرته، وغرائب حكمه لَا تدرك بوصف الواصف، ولا بشرح الشارح.

(فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) " الفاء " للإفصاح؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر معناه إذا كان اللَّه هو الذي خلق ذلك الخلق فتبارك اللَّه أحسن الخالقين، وروي أن

<<  <  ج: ص:  >  >>