(ثُمَّ) هنا عاطفة على الصراط المستقيم، وما سبقه من وصايا، وفهم من التعبير بـ (ثم) هنا أنها لمجرد العطف على التراخي من غير ترتيب؛ لأن ما يتعلق بموسى عليه السلام سابق على شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ ابن كثير ذلك، وقال إنه ترقّ في الخبر من الحاضر إلى الماضي، واستشهد بقول الشاعر:
قلن لمن ساد ثم ساد أبوه ... ثم من قبل ذاك قد ساد جدهْ
ونحن نرى أن (ثم) هنا للترتيب والتراخي أيضا؛ لأن الترتيب والتراخي كما يكون في المستقبل يكون في الماضي، فهو قد ذكر الأب، ثم ذكر الجد، وذلك تراغ في الزمن الماضي. وليس ذلك غريبًا في استعمال (ثم)، فهو ترقٍ في الذكر من الحاصر إلى الماضي، وفي الماضي ذلك التراخي، وإن ذلك يتلاقى مع قول أبي السعود: إن (ثُمَّ) تجيء للتراخي في الإخبار مع الترتيب، كأن تقول: قابلتك اليوم، ثم بالأمس، ثم قبل ذلك، فان استعمال (ثُمَّ) هنا في موضها.
ويكون معنى قوله تعالى:(ثم آتَيْنَا موسَى الْكِتَابَ) إننا وصينا بالصراط المستقيم الذي هو صراط الله تعالى، وهوالقرآن الكريم، ثم من قبل ذلك آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا. . . . أي أن هذه الوصايا العشر، قد آتيناها من قبل موسى، كما قال تعالى:(وَكتَبْنَا لَهُ فِى الأَلْوَاح مِن كُلِّ شَىْءٍ مَّوْعِظَةً). وكما قال تعالى:(قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا).