ناداهم الله تعالى مقربا مدنيا مؤنسا لهم ذاكرا سبحانه نعمته عليهم؛ ليعرفوا حقها عليهم من الشكر فلا يكفروها، (قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ) الذي تحكم فيكم وأسامكم سوء العذاب، وإن هذه كانت مظاهر العداوة من ذلك الظالم الغاشم (وَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيمنَ) أي الإتيان في جانب الطور الأيمن، فالكلام على حذف مضاف، وحُذِف لأن المقصود هو ذات الجزء الجانب الأيمن، والإشادة به لأنه الجانب الذي لقي فيه ربه، وأنزلت عليه الألواح العشرة فيه، فهو المكان الذي كانت ذكريات نبوة موسى عليه السلام، وهو من أولي العزم من الرسل، والتوراة من الكتب المقدسة التي تشتمل على الشرائع الخالدة إلا ما نسخه القرآن الكريم.
وقد قال تعالى:(وَاعَدْنَاكمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ) وهنا ملاحظتان: إحداهما أن الله تعالى جعلهم طرفا في المواعدة وهي مفاعلة تكون من جانبين، جعلهم الله سبحانه وتعالى طرفا مقابلا لذاته، وذلك تكريم لهم، ورفع لنفوسهم التي استخدمت بإذلال فرعون، فأعلاهم رب العالمين ورفع كبوتهم وأزال عنهم خسيسة الذل.
والثانية أن المواعدة كانت مع موسى رسولهم، لَا معهم كلهم، ولكن موسى يجيء بهذه الشرائع إليهم، وقد قال تعالى في هذه المواعدة (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. . .)؛ ولأن موسى وهو رسولهم الذي أرسل إليهم كانت المواعدة معه مواعدة لهم. ولأن موسى اختار منهم من سيلونهم في هذا اللقاء، فإد قال تعالى: (وَاخْتَارَمُوْسَى قَوْمَهُ سبْعِينَ رَجُلًا