للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صدرت الآية بـ (أَوْ) الدالة على التخيير، يتحدون به النبي - صلى الله عليه وسلم - وكرر (أو)، وكلاهما مزدوج، وهذا الأمر الثالث مكون من جزءين: الجزء الأول أنهم رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتيما ثم كان فقيرا، وقد حسبوا أن النبوة مقترنة بالثروة، فالنبي يجب أن يكون ثريا ليكون عظيما، فالعظمة عندهم بالمال ولا عظيم من غير مال، ولذا قال سبحانه وتعالى عنهم: (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرآنُ عَلَى رَجُلٍ منَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمً)، أي الطائف أو مكة.

هم يعيبون نبوة محمد بأنه فقير، فيقولون له: أما كان يغنيك بالمال ما دمت في الأرض، أو يرفعك إلى السماء إذا كنت ذا منزلة عند ربك (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ) الزخرف هو الذهب، أي بيتا مموها بماء الذهب مزخرفا، فإن لم يعطك هذا ويجعلك غنيا من الأغنياء وعظيما من العظماء فليعرج بك إلى السماء (وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ) ونعلم منه أنك ارتفعت وعلوت، ونعلم هذا الكتاب رقيك إلى السماء.

والمعنى الذي يتحدون به رسالة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنك إن كنت رسولا من أهل الأرض فليجر عليك حكم أهل الأرض وأهل الأرض العظمة فيهم بالمال والثروة، وليكن لك بيت مزخرف كأهل الترفه والتنعم، وإن كنت لَا تريد أن تكون كأهل الأرض فلتكن من أهل السماء، ولترق إلى السماء لنؤمن برسالتك ولن نسلم بأنك ارتفعت إلى السماء إلا إذا نزل علينا كتاب نقرؤه.

هذا هو تحديهم وهو إلى الهزل أقرب، وقد أمر اللَّه تعالى نبيه أن يجيبهم عن هذه المطالب المتحدية بقوله: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا) تقدست ذات ربي الذي خلقني ورباني وكملني (هَلْ كنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا).

والاستفهام هنا إنكاري بمعنى النفي، فهو إنكار للوقوع، معناه ما كنت إلا بشرا أرسلت من عند اللَّه تعالى. وكانت صيغة النفي على شكل الاستفهام تقريرا للنفي والإثبات وانحصار الوصف الكامل للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه بشر رسول، وليس وصف غير هذا وهو أعلى أوصاف الكمال الإنساني.

<<  <  ج: ص:  >  >>